التدين والإلحاد ومضمونهما الإجتماعي والسياسي في أميركا
كتابان جديدان يستكشفان بم يؤمن الملحدون؟
كيسي سيپ كاتبة وباحثة من ولاية ميريلاند على الساحل الشرقي الأميركي، وكتابها الأول سوف ينشر في شهر آيار من هذا العام ٢٠١٩ بعنوان “ساعات الغضب: هارپر لي وقصة لم تنتهي عن العرق والدين والقتل في عمق الجنوب” Furious Hours: Harper Lee and an Unfinished Story of Race, Religion, and Murder in the Deep South .
كتبت سيپ مقالة بعنوان “لماذا ما زال الأميركيون لا يرتاحون للإلحاد” تستعرض فيها كتابين صدرا حديثاً يستكشفان ويتساءلان بما يؤمن به الملحدون فعلاً. الكتاب الأول هو للأستاذين لورنس مور وإسحاق كرامنك من جامعة كورنيل بعنوان “مواطنون بلا إله في جمهورية لاهوتية: الملحدون في الحياة العامة الأمريكية“، الصادر عن دار (نورتن) والكتاب الثاني للفيلسوف جون گراي “سبعة أنواع من الإلحاد” الصادر عن دار فارار، شتراوس وجيرو. گراي قد درّس في جامعات أوكسفورد وهارڤارد وييل ومدرسة لندن للإقتصاد قبل أن يتفرغ للكتابة. مقالة سيپ هامة جداً لنا نحن أبناء الشعوب المقهورة لفهم تأثير نظام الأفكار الديني السائد في المجتمع الأميركي صعوداً نحو صناعة القرار سياسياً وإجتماعياً وإقتصادياً وتأثيراته على بقية البشرية. لقد تطرف السياسيون الأميركيون في إستقطابهم الديني وتحول الفكر المسيحي الصهيوني اليميني إلى مبدأ من مبادئ الحكم لدى، الجمهوريين خاصة، وربما سبباً لتبرير شن الحروب على من يعتبرونهم أعداءً لهم قيمياً. لقد إستمعنا أثناء سباق الرئاسة عام ٢٠١٦ إلى الحرص على إبراز الإلتزام الديني حين قدم المرشحون أنفسهم سواء على المستوى الحزبي أو الوطني وعلى رأسهم ترامپ فحتى المرشح التقدمي عن الحزب الديمقراطي بيرني ساندرز حين سؤل عن دينه من قبل محاوره في (السي إن إن) أجاب بأن “هويته يهودية”. يحرص السياسيون الأميركيون على إبراز إيمانهم الديني لأنه عنصر مهم بل وحاسم في تفكير الفرد الأميركي عند الإختيار السياسي.
ترصد المقالة من خلال مقارنة أفكار الكتابين نمو الفكر المضاد للفكر الديني السائد في أميركا على مدى مئات السنين وليومنا هذا ويبين مدى صعوبة تقبل الأفكار الغير كنسية والغير المؤمنة وبوجود قوى ما وراء الطبيعة تسير العالم. تسرد المقالة معاناة الأفراد فيما يؤمنون به ونقاشات المفكرين هادفة إلى تقصي الحقيقة ومن ثم إستشراف مستقبل الفكر اللا ديني في مجتمع حر.
تنبع أهمية هذه المقالة عن اللاهوت والإيمان الديني المسيحي من أهمية إيلاء “الفرد” والمؤسسة الاجتماعية والرسمية الأميركية له بإعتباره شهادة حسن سيرة وسلوك ومنتهى الأخلاق والمثل العليا وقمة القيم الرفيعة والإخلاص الوطني والذي بدوره يُحصِن المواطن من شرور الدنيا وعذاب الآخرة. يمكننا أن نستنتج من هذا العرض الذي قدمته كيسي بأن هناك دين أميركي نشأ عندما لجأ المضطهدون دينياً في أورپا إلى العالم الجديد طلباً للحرية وكيف أنهم حينها رسموا حدوداً لعقل وتفكير البشر على تلك الأرض وفيما يؤمنون وأن الإلحاد لا يمت لأميركا بصلة ومن يشذ عن ذلك فأنه سيعاني الإزدراء والنبذ والإضطهاد. من المفارقات العجيبة بأن الدستور الأميركي نفسه لا يذكر مطلقاً أي نص أو عبارة تتصل بالإيمان الديني وكما سيرد ذكره لاحقاً.
تبدأ كيسي العرض بقصة المواطن سيجر في أواخر خمسينيات القرن العشرين حينما كتب لدائرة التجنيد حين أستدعي إلى الخدمة “لقد إستنتجت بأن الحرب من الناحية العملية هي عمل عقيم وهي تدمير ذاتي والأكثر من ذلك أهمية فهي غير أخلاقية“. طُلب منه لاحقاً تفصيل سبب إعتراضه على الجندية وكان السؤال: “هل تؤمن بالذات العظمى؟”. لم يجب سيجر عن السؤال: بـ “نعم” أو “لا” بل كتب ثماني صفحات سطر فيها قراءات أفلاطون وأرسطو وسبينوزا مذكراً بأن هؤلاء كلهم كانوا قد “إستنبطوا وطوروا نظماً شاملة للأمانة الأخلاقية والفكرية والإنسانية دون أن يؤمنوا بإله“! وقد أردف رأيه بإستنتاج “أنه لا يمكن إثبات أو نفي وجود إله وأن جوهر طبيعته لا يمكن تحديدها“. وختم كل ذلك بعبارة: “أنا، وبسبب من إيماني الديني، ومن وازع ضميري أعارض المشاركة في الحرب وبأي شكل كان.”
كان هناك آلاف الأميركيين مثل سيجر الرافضون للخدمة العسكرية؛ إستنكافاً ضميرياً، رفضوا القتال في الحربين العالميتين. هؤلاء كانوا من المتدينين المسالمين كالمينونايت والكويكرز إلا أنهم قد سيقوا إلى الحرب كأفراد غير مقاتلين وقد أثبتوا سلميتهم بسبب وازع الدين، أما هؤلاء الذين لم يتمكنوا من إثبات ذلك فقد أُرسلوا إلى السجون أو إلى معسكرات العمل وليومنا هذا لم تأخذ القوانين في الحسبان عدد الرافضين بالتصريح بأن معارضتهم للحرب كانت بدافع ديني.
لقد حارت دوائر التجنيد في تعريف الإستثناء من الجندية فمثلاً أن شخصاً يهودياً إشتراكياً لم يشمل ولكن شخصاً ملحداً دافع عن فكرة الإنسانية العلمانية قد شمل أما “شهود يهوا” فقد رُفضت طلباتهم على إعتبار أنهم نظريا مستعدون لمحاربة الشيطان في معركة “أرماجيدون Armageddon” وبالتالي يفترض بهم أنهم مستعدون كذلك لمحاربة أعداء أميركا. كان هناك كاتباً قد قرأ للفلاسفة والمؤرخين والشعراء من أفلاطون حتى برنارد شو قد ألف مسرحية ضد الحرب وقد منح بسببها إستثناءاً، أما سيجر فحين أصر المجلس على تجنيده رفع قضيته مباشرة إلى المحكمة العليا وفي عام 1965 توصل قضاة المحكمة وبالإجماع إلى قرار “بأن المجند ليس مطلوباً منه أن يكون مؤمناً بالله كي يمتلك ضميراً ليعترض“.
لقد كان إنتصار سيجر نقطة تحول لفئة لم تكن تملك الأهلية ولا حق الشهادة أو حتى الدفاع عن نفسها أمام المحاكم والتي نالت من التمييز طويلاً من قبل السلطات المدنية لأنها لا تقسم على الكتب “المقدسة”، بدأت تتمتع ببعض الحقوق والحماية والتي كانت مقصورة على المؤمنين فقط.
ما زالت غالبية الأمريكيين عموماً لا تحبذ أن يُدرس الملحدون أبناءهم أو الزواج بهم فلقد أوضحت الإستبيانات بأنها تفضل أن ترأسها إمرأة أو مثلي أو أحد المورمون أو حتى مسلماً على أن يأتي ملحد ليترأس البيت الأبيض! وكذا المحافل الماسونية لا ترحب بهم، ومثلها فرق كشافة البنين رغم أنها قد فتحت أبوابها للمثليين وللبنات ولكنها ترفض من لا يقسم بأن “إن عملي لله”.
تقول كيسي بأن التمييز ضد الملحدين هو سبب ونتيجة ويعود ذلك إلى الطريقة الفجة لفهمنا للإيمان على أساس إن عدم الإيمان بإله غالباً ما يفهم بأنه فقدان لأي إلتزام أخلاقي. إن هذا التمييز يتأتى من فكرة بأننا “شعب مسيحي وأن وطنيتنا مرتبطة بمسيحيتنا“! لقد قاد هذا الإعتقاد إلى أن الرئيس ترامپ نفسه صرح: “نحن في أميركا لا نعبد الحكومة بل نعبد الله“. إن أبرز الظواهر التي تبرهن على إنبعاث المسيحية الوطنية هو العداء للمسلمين ولليهود ولكن ليس للملحدين لأنهم أصلاً ليسوا بالحسبان وهم خارج أية رؤية إلاهية وبالتالي فهم ناقصو أهلية وطنية أساساً. إن هذا الموقف تمتد جذوره الى التاريخ الفكري للبلاد.
إعتقد بعض المستوطنين الذين جاءوا باحثين عن حرية العبادة بأن لا حرية غير الحرية الدينية فلقد ورثوا عن جون لوك فكرة أن الملحدين لا يمكن أن يكونوا مواطنين صالحين وبالتالي يجب عدم شمولهم بالعقد الاجتماعي وكتب في رسالة له حول التسامح: ” إن هؤلاء الذين ينكرون وجود الرب لا يمكن التسامح معهم مطلقاً “!.
روجر وليم احد الذين جاهروا بآرائهم ولكنه نفي من بلدته بزعم أنه ينشر آراءاً مختلفة وجديدة وخطيرة وأعتبرت آراءه بمثابة إحتضان للملحدين. وليم قد دعى إلى فصل الكنيسة عن الدولة ففي كتابه “إيمان الإضطهاد الدموي؛ من أجل قضية الوعي” والذي نشر في لندن عام 1644 كتب: من الممكن للرُبّان الوثني أو من هو بالضد من المسيحية أن يوصل السفينة إلى المرفأ بمهارة كأي بحار مسيحي“. كان في إستعارته تلك يقصد سفينة الدولة.
كما كان هناك توماس پن وهو أحد رجال الثورة وكتابه “الحس السليم Common Sense” الذي بيعت منه نصف مليون نسخة عام الإستقلال، فقد مات منبوذاً لأنه كتب كراساً بعنوان “عصر العقل Age of Reason” والذي عبر فيه عن وجهة نظره في ملك الملوك فكانت النتيجة السُخِرية منه ووصفه بالمقرف والملحد القذر ولكن في الوقت الذي هاجم فيه ملك إنجلترا قبل ذلك قد لقي مديحاً. لم يشفع له إنتقاده للمسيحية ولا كونه ربوبي Deist ولا إعلانه في إفتتاحية كتابه على ” أنا أؤمن بإله واحد”؛ والذي إعتبر رأيه مخزياً، وتاريخياً فقد وصم بأنه “غير مؤمن”.
لقد كان حدثا صادما بعد الثورة حين تم الإتفاق الدستوري على “منع الاختبار الديني لمتولي المناصب العامة” وفي المادة (٥) من الدستور، لم تكن هناك كنيسة حكومية ولا دين دولة، فيما عدا الذكر بأن الدستور قد وقع في عام (الله) أو الرب (1787) ولم يرد ذكر الرب في نص وثيقة تأسيس أميركا علماً بأن الحرية الدينية قد تأسست رسمياً في التعديل الأول للدستور. الدستور لم يكن لاهوتياً وكما وصفاه مور وكرامنك وهو نتاج جهود جيفرسون وماديسون اللذان كافحا في سبيل إبعاد ذكر (الرب) عن الوثيقة على الرغم من أن كليهما كانا مُوحِدين ويؤيدان جون لوك وأن التسامح مقصور فقط على هؤلاء الذين يؤمنون بالقوة العَلّية.
إن تزايد أعداد الملحدين قد أعطاهم نوعاً من الأمان وإرتفعت رغبتهم في علانية الجدل حول مفاهيهم. لقد قام “الملحد (اللاأدري الأكبر the Great Angnostic ” إنغرسول في القرن التاسع عشر بإستيفاء دولار واحد مقدماً عن كل شخص من الذين تجمعوا لسماع نقده للمسيحية وقد كانوا بالآلاف.
بدأ الدينيون بالدفاع بشراسة أكثر عن إيمانهم وإنكبوا على البحث والمراجعة الدقيقة. كان من أشكال ذلك هو فرض قوانين التجديف ضد الذين يهينون الرب ويسوع المسيح والروح القدس أو الكتاب المقدس. لقد تم إعتقال الوزير المعمداني السابق أبنر نيلاند Abner Kneeland وذلك بسبب مقالة له بين فيها لم هو لم يعد مؤمناً في وحدانية الرب؟ حتى أن الواعظ الموحد چاننغ ومعه القس السابق إيمرسون قاماً معاً للدفاع عنه وأنجياه من السجن. لقد زج جون راگلز من نيويورك في السجن لثلاثة أشهر بسبب إهانته ليسوع المسيح؛ في پنسيلڤانيا هناك شخص آخر يدعى آپديگراف قد غُرم مالاً لأنه وصف الإنجيل بأنه “مجرد خرافة ويحتوي على أكاذيب عديدة“. على الرغم من أن قوانين التجديف نادراً ما تطبق لكنها ما زالت نافذة في في بعض الولايات ماساچيوستس وميشيگان وأوكلوهاما وپينسيلڤينيا وكارولاينا الجنوبية ويومنگ. كما إن جميع هذه الولايات، ما عدا ثلاث منها قد سنت قوانين السبوت وهي تعاليم دينية بإعتبار يوم الأحد هو يوم الله وهو يوم العبادة والراحة وبموجبها فقد فرضت على الجميع القوانين الزرقاء والتي تقيد بيع الكحول أيام الآحاد. قام أحد التجار اليهود برفع قضيته مباشرة إلى محكمة پينسيلڤينيا العليا والتي بدورها رفضت أي إستثناء وقررت “أي شيء يضرب جذور المسيحية فأنه ينزع بوضوح إلى تفكيك الحكومة المدنية“.
إن الإدانة بتهمة الإلحاد أصبحت أداة مناسبة لتشويه سمعة غير المؤمنين وبضمنها الحركات الفوضوية والحركات المتطرفة والإشتراكية والنسوية. لقد إستخدمت لا أدرية إليزاپيت ستانسون وكذلك إلحاد إرنستاين روز ضد المطالب المبكرة بحق النساء في الإنتخاب، فبعد إتهام مزعوم لثمانية فوضويين ملحدين إدينوا بقتل أحد عشر شخصاً خلال حادثة ميدان هايماركت في شيكاغو أثناء تظاهرة العمال في شيكاغو في ٤ آيار ١٨٨٦ رداً على قتل الشرطة للعمال المضربين في اليوم الذي سبقه والذين كانوا يطالبون فيه بتحديد ساعات العمل بثمان ساعات يومياً وأن فوضوياً رافض للتعاليم الكاثوليكية قد إغتال الرئيس وليم مكنلي ونتيجة لكل هذه الأحداث والتشويهات فأن الإلحاد قد إرتبط في خيال العوام بأنه إرهاب محلي.
كتب مور وكرامنك بأن الإلحاد قد أصبح لا-أميركي الهوية وهو إفتراض صار أكثر شعبوية وتشدداً خلال سنوات الحرب الباردة فقد قال البعض بأن ما يميز أميركا عن أعدائها ليس السياسة ولا الاقتصاد بل هو التدين. “من جذور الإلحاد قد نبع النبت الشيطاني للشيوعية” هذا ما صرح به الكاثوليكي السناتور لويس رابوت. رغم مرور قرنين على كتابة دستور ليس لاهوتياً فقد تحولت الحكومة الإتحادية فجأة إلى حكومة متدينة حيث أنه بين الأعوام ١٩٥٣- ١٩٥٧ ظهرت صلاة الفطور في تقويم البيت الأبيض وأفتتحت غرفة للصلاة في مبنى الكاپيتول وأضيفت عبارة “نحن نؤمن بالله” على العملة وكذلك أُدخلت عبارة “بقضاء الرب” إلى عهد الولاء Pledge of Allegiance علماً فأن الآباء المؤسسين قد إختاروا شعاراً علمانيا خالصاً وهو “فرد من مجموع أو واحد من كل” (E pluribus unum). الجدير بالملاحظة هنا فأن بعض الأنظمة السياسية حين تدخل في صراع سواء كان داخلياً أو خارجياً وتريد أن تحشد المؤيدين لها تلجأ أحياناً إلى الدين كأداة ذات تأثير عاطفي في رأي العوام وكما حدث في بعض البلدان العربية والعراق خاصة حين شن صدام حسين الحملة الإيمانية وليحول الغطاء الديني الذي كان يتلفح به إلى أداة لصد المخاطر عن نظامه رغم علمانيته المزعومة. لقد روج المشرعون الأميركيون المسيحية بطرق تلتف على بند التأسيس مثل الإشارة إلى الرب في الإلتزام والقسم والصلاة وفي النشيد الوطني. لقد صاغ عميد مدرسة ييل للقانون عام ١٩٦٢ عبارة “الشعائر الربانية ceremonial deism” والتي إنتشر إستخدامها على مدى عقود في المحاكم وكان الهدف منها هو شرح إستثناءات التعديل الأول للدستور فمثلاً عندما تقول “باركك الرب” حين يعطس شخص ما أو أن تستخدم عبارات مثل “بقضاء الرب” و “نحن نؤمن بالله” فأن المحاكم إستنتجت بأن هذه عبارات مستحبة أو غير مؤذية وهي متعلقة بالإنتماء الوطني ليس إلا، وهي ليست صلاة بأي حال. إن تفسيراً كهذا، ولا غرابة، ألاّ يصدقه أحدٌ مؤمناً كان أم غير مؤمن. لقد برزت تحديات قانونية لم تنقطع لهذه الممارسات، وبالتحديد تحدي تلاوة عهد الولاء لأن استشراءها صار مقلقلاً بالنسبة لغير الدينيين وفي حياة طلبة المدارس فلقد رفعت دعاوى قضائية من أجل إلغاء تلاوة عهد الولاء في المدارس العامة منذ إضافة عبارة “بقضاء الرب”. إتبع الملحدون إستراتيجية مختلفة فبدلاً من الجدال من أن عهد الولاء ينتهك بند التأسيس بدؤا يجادلون بأن هذا العهد ينتهك بند “المساواة في الحماية” الوارد في التعديل (١٤) من الدستور وعلى أنه مناسبة أو سبب لنبذ أولاد غير المؤمنين. لقد إقترح المدير القانوني للجمعية الإنسانية الأميركية ديڤيد نايوز وهو واحد ممن أشاروا بأن الملحدين ربما يمثلون فئة مشبوهة وبالتالي فهم أقلية تستحق حماية خاصة من المحاكم. ولكن هل أن الملحدين هم فئة مشبوهة أم هي مجرد فئة مشكوك فيها؟ هم ليسوا بمثل باقي الأقليات العرقية وهم ليسوا محصنين ولكنهم كأي أقلية دينية معرضة للإعتداء والإضرار. إن الإلحاد، على أي حال، ليس هوية منفردة أو نظام أفكار أو مجموعة من الممارسات ووصفها بهذا الشكل فهو إختزال له وكأنه “دين” وهو ليس عوضاً عن اليهودية أو البوذية أو المسيحية أو حتى عوضاً عن اليهودية الإصلاحية أو البوذية الماهايانية أو الحركة التجديدية في الپروتستانتية (الپنتيكوستالزم Pentecostalism). لذا فأن الإلحاد وكما بينه الفيلسوف گراي في كتابه المذكور هو مفهوم أكثر دقة ومن الممكن للأميركيين عن طريقه تجاوز العراك المستعصي بخصوص وجود الله.
گراي يحتاط ويقدم تعريفاً فقهياً للملحد: “هو أي شخص ليس بحاجة لفكرة أن عقل الإله هو الذي صاغ العالم“. لقد ضم هذا التعريف بعضاً من أكبر الأديان في العالم وهما البوذية والطاوية واللتان لا تؤمنان بوجود خالق وبذلك فأنه لا توجد وجهة نظر عالمية إلحادية واحدة.
هناك نظرة تجديدية تتجاوز ما يسمون “الملحدون الجدد” قد هيمنت على النقاش الذي يحيط بعدم الإيمان. وخلافاً لمور وكارمنك واللذان يؤمنان بأن الملحدين الجدد كسام هاريس وريتشارد داوكنز قد ولدا “صحوة إلحادية”، فأن گراي يرفض ذلك حين كتب: “إن الملحدين الجدد قد وجهوا حملتهم ضد جزء صغير من الدين في الوقت الذي فشلوا في فهم حتى ذلك الجزء الصغير”. حسب گراي فأنهم قد أهملوا الشرك والروحانية وبشكل كامل تقريباً في الوقت الذي ركزوا فيه على قراءة آيات سفر التكوين أو خطوط عقيدة نيقيا Nicene Creed وهي تصريح إيماني مستعمل بشكل واسع في الطقوس المسيحية وقد تم تبنيه في مدينة نيقيا عام (٣٢٥ م) ومن ثم تم تعديله عام (٣٨١م) في المجمع الأول في القسطنطينية وقد أشير إلى التعديل بالعقيدة النيقية-القسطنطينية كما لو أنها كانت نظريات علمية بدائية و يضيف أن ليس جميع الموحدين حَرْفِيون (نصّيون) فأن للكثير منا فأن جنة عدن ليست فرضية خاطئة حول النشوء لكنها قصة رمزية غنية حول الخير والشر.
يدعي گراي بأن الملحدين قد فشلوا في تقديم نظرة أخلاقية أكثر قرباً من تلك التي يريدون تغييرها وأن إستراتيجية الأخلاق العلمية التي يتفوقون فيها قد جربت من قبل ولكن لم يحالفها النجاح. كان أوغست كومتي وزملاؤه الوضعيون positivists في القرن (١٩) قد تصوروا بأنه من الممكن أن حَبْراً أعظماً للإنسانية يترأس جميع العلماء-القساوسة ولكن لسوء الحظ فأن علماء ذلك الزمان كانوا يمارسون علم الفراسة phrenology. بعد ذلك فأن الإنسانيين والوحدانيين التطوريين قد إستبدلوا النظام الإلهي بالأنثروپولوجيا وبنوا تسلسلاً هرمياً للأعراق البشرية ووضعوا الأورپيين البيض في القمة!. اليوم فأن نسخة العلم المتماشي مع التيار كدين صار عابراً للإنسان transhumanism ويدعي بأن التقنيات سوف تتجاوز حدود البشر بدنياً وعقلياً ويكون ذلك ربما عند إستخدام تقنيات الهندسة العضوية أو الذكاء الإصطناعي أو من خلال السايبورج cyborgs وهو كائن آلي خارق متصور والذي من الممكن له أن يحمل مضامين ومحتويات أدمغتنا. گراي ليس متفائلاً بخصوص هكذا تطورات، إن حدثت في أي زمن، وذلك لأننا أصلاً لدينا نموذج فوضى وهو حين نمنح البشر قوة ربانية ويقول ” أي شخص يريد أن يلمح إلى ما بعد الإنسان فما عليه إلا أن يقرأ لهوميروس”.
تجادل كيسي طروحات گراي وتصفه أنه من النوع الذي ينظر إلى النصف الفارغ من القدح، فمثلاً فهو يجادل بأن العلمانية الإنسانية في حقيقتها هي توحيد ولو أنها تأخذ شكلاً مستتراً، فعندما يتم إنقاذ شيء ما ليس بالتدخل الإلهي ولكن بجهد شخصي هنا فيكون البشر إلاهاً. بالضد من الملحدين الجدد ستيڤن پنكر فأن گراي يعتبر فكرة بأن العالم يتحسن هي فكرة تبرهن على سخفها حيث أشار بـ “إن الزيادة المتراكمة للمعرفة في العلوم هي ليست متوازية مع الأخلاق والسياسة“، فما زالت الأديان مزدهرة بسبب الحروب التي تخوضها مع بعضها البعض وأن الأنظمة العلمانية بأشكالها اليعقوبية والبلشفية والنازية والماوية قد ألحقت خراباً أكبر.
گراي معجب بالملحد الروحاني آرثر شوپنهاور والذي لم يؤمن بالله ولا حتى بالحقيقة تحديداً. ضمن فئة گراي مفكرون ورعون مثل سپينوزا والذي رفض الإله الخالق ولكنه يرى الله كجوهر سرمدي في الخلق وكذلك الفيلسوف الروسي ليڤ شيستوڤ والذي كتب بأنه يجب السيطرة على السبب كي نعرف الله. يجادل گراي بأن هذا النوع من اللاهوت، الذي يصل الإله عن طريق نفيه، لديه الكثير من المشتركات مع بالإلحاد الروحاني لأن القول بأن الله غير موجود لا يفرق عن القول بأننا لا يمكننا إدراك وجود الله ففي كلتا الحالتين فأن العالم المادي ربما يتسم بمحدودية الفهم والتعجب المطلق. يقول گراي بأن “عالم الإلحاد هو غامض كما هي المعاناة مع اللاهوت وأن الفرق بين الإثنين هو أقل مما تتصور“. ويعتقد بإن علم الكون من الممكن أن يقرب المختلفين وليس فقط لرسم تمايز بين الملحدين بل لخلق صلة بين المؤمنين وغير المؤمنين. المسيحيون الذي يجهلون تاريخ أسلافهم مثلاً سيتعجبون حين يعلمون بأن أسلافهم في الإيمان كانوا محل إستهزاء كملاحدة لأنهم رفضوا المشاركة في عبادة آلهة متعددة وأن مفردة أثيوس atheos في الإغريقية تعني “بدون آلهة” وليست “مضاد الآلهة” ولكنهم لم يضطهدوا كما يفعلون هم اليوم.
هناك هدنة قصيرة تم التوصل إليها في نهاية إدارة أوباما بين الملحدين والمؤمنين وذلك حينما أقر الكونغرس نسخة جديدة من قانون الحرية الدينية العالمي ووقعه الرئيس وهو القانون الذي ضَم وبشكل رسمي غير المؤمنين. لقد عدل القانون ليقرأ: “إن حرية الفكر والضمير والدين تفهم على أنها حماية للمؤمنين ولغير المؤمنين والحق في عدم إعتناق أو ممارسة أي دين“. لكن وكما يتوقع گراي فأنه من الصعب في هذه اللحظة السياسية التصديق بأن دائرة الحقوق في إتساع أمام الملحدين أو لأي طرف آخر. يعتقد مور وكارمنك بأن هذا العمل إنقاذي وبأن فهم الإنحياز ضد الملحدين في الماضي سيساعد على إنهائه في المستقبل ولكن في المقابل فأن گراي لا يأمل بأن يتحقق ذلك. إن الإيمان الذي قاد المتشددين إلى پلمث روك (Plymouth Rock) ولكنه بعد ذلك دفعهم لإعدام ثلاثة من جيرانهم الكويكر (Quaker) وهو الفعل الذي ألهم المستعبِدين والإقصائيين الأميركان. ما يميز الإلحاد هو الفضول العلمي لديه وعمق شعور المسالمة ولا غرو فأن الفائز مرتين بجائزة نوبل؛ لينوس پولنغ (Linus Pauling) وكذلك العمل الخيري لأندرو كارنيغي وكذلك فن ونشاط لورين هانزبيري. كلنا وبضمننا العدميون نؤمن في الحقيقة بشيء أو في أشياء عدة بخصوص أنفسنا والكون وواحد آخر. في النهاية فأن الشيء الأكثر إثارة هو أنه كيف سيجيب الضمير عن ذلك وليس سيجيب مَن؟.
One thought on “التدين والإلحاد ومضمونهما الإجتماعي والسياسي في أميركا”
الالحاد وهم وخرافه مساويه لوهم وخرافه الله فوق وممكن ان يرى .
منطقيا ببسطاه
الاف قوانين الطبيعه من فيزياء ورياضيات وغيرها متناسقه ومنسجمه.
على الملحد ان ينكرها اصلا.
وعلى المسلم ممن يؤمن بالرؤيه
والمسيحي طرد خرافات التلمود .
انت بوعيك جزء من ارادة الله.
لكن ليس كالحلاج
وممكن تصعد للسماء لكن ليس بميركباة او براق بل كبوذا وافلاطون
بعد لم يكتشف
الابعاد المعروفه ١٧. لكن ما نقيسه منهن اربعه فقط ثلاثه منهن نتحرك فيهن