التدخل في العراق ١٩٥٨-١٩٥٩

التدخل في العراق ١٩٥٨-١٩٥٩

موجز سياسي معهد الشرق الأوسط العدد الثاني -نيسان ٢٠٠٨

 

بقلم روبي باريت *
تعريب: وليد إبراهيم حسين
موجز الحكايـة
يقدم التاريخ أحياناً دروساً قيمة عن الأجهزة السياسية الغارقة بنظرتها الضيقة للأمور. العراق هو حالة من هذا النوع ففي الأعوام 1958-1959 واجهت الولايات المتحدة في العراق حالة موازية الغرابة مع ما حدث في عام 2003. يبدو أن التدخل الإستباقي كان الخيار الوحيد المطروح آنئذٍ كي يمنع سقوط العراق تحت الهيمنة السوڤيتية ففي ظل مركبة الفضاء سپوتنيك وناقوس الخطر الذي قرعه  جهاز التقويم الإستخباراتي الوطني الخاص Special National Intelligence Estimate  لمستقبل العراق فأن أجهزة المخابرات ووزارة الخارجية والبنتاغون ومعهم الناشطون التدخليون في إدارة آيزنهاور قد جادلوا جميعاً حول ضرورة المبادرة في التدخل لمنع الكارثة. التدخل لم يحدث والتهديد الشيوعي قد إختفى ولكن العراق إستمر في نكده وفي طريق القسوة واقعاً بين الفوضى وبين الدكتاتورية. مالذي صنع الفرق بين الزمنين؟ ببساطة شديدة فبينما كان الجالس في المكتب البيضاوي، دوايت آيزنهاور، ربما هو لا يعرف إلا القليل عن العراق لكنه يعَرِف شيئا عن القوة العسكرية، عن الإحتلالات، عن الدبلوماسية، وعن طرق الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة.
*عن الكاتب: هو باحث مساعد في معهد الشرق الأوسط وكذلك في مدرسة العمليات الخاصة الجوية في هيرلبرت فيلد في فلوريدا. زميل آيزنهاور- روبرت في معهد آيزنهاور في واشنطن العاصمة وهو زميل في الروتاري الدولية في جامعة ميونيخ. زميل في سكوتش رايت في جامعة أوكسفورد. يحمل الدكتوراه في تاريخ الشرق الأوسط وجنوب آسيا من جامعة تكساس-أوستن. مؤلف كتاب الشرق الأوسط الكبير والحرب الباردة (٢٠٠٧) وهو موظف سابق في قسم الشرق الأوسط في الخارجية الأميركية ولديه خدمة حكومية وأكاديمية وكذلك في عالم التجارة والأعمال في المنطقة لأكثر من ٢٥ عاماً. يتبوأ مركزاً في الصناعة ورئيس منشأة متخصصة في الدفاع والأمن التقني الوطني والتطبيقات السياسية.
الحكايــــة
في عالم ٢٠٠٣، ما بعد ١١ أيلول ٢٠٠١ لم يلتفت أكثر صناع السياسة الأميركية إلى دروس وتحذيرات حكايات التاريخ القريبة من إجراء متسرع وحاد في العراق فكما في عام 2003 فأن هذه الحكاية قد أختلقت في زمن عدم الإستقرار الدولي (الحرب الباردة) وحالة الشعور بعدم الأمان الحاد محلياً نتيجة للمستوى الذي وصل إليه التهديد العالمي القائم آنئذٍ، والجدال الذي واكبه حول إستراتيجية التعامل مع العالم النامي والتأثير فيه. في أواخر الخمسينيات من القرن المنصرم واجهت الولايات المتحدة أولاً تهديدا ماثلاً وهائلاً  لوجودها المباشر نتيجة لوجود الإتحاد السوڤييتي. لقد فُهم التهديد، بمقاييس ذاك الزمن، مساوياً إن لم يتفوق على عدم الأمان الذي أوجدته هجمات  ٩ أيلول (سپتمبر) والخوف من التطرف الإسلامي. تصرف الأمريكيون بعقلية تفادى الخطر (Duck & Cover)، تصرفوا بعقلية بأن لا الجغرافية ولا أقوى قوة بحرية أو جوية في العالم قادرة أن تقي من هجمات السلاح النووي فأن المدن الأميركية هي الآن عاجزة عن الدفاع عن نفسها أمام الصواريخ العابرة للقارات. لقد توعد الإتحاد السوڤيتي وبشكل صريح على لسان قادته بأنه “سيدفن” ليس فقط القوة الأميركية وتأثيرها بل سيدفن حتى الشعب الأميركي نفسه. بدا حينها أن موسكو وقائدها خروتشوف بخطاباته الصاخبة المهددة كان لها اليد العليا في سباق الصواريخ مسنودة بحلفاء أقوياء وهذا هو السبب الذي قد أزال التأثير الأميركي في العالم الثالث.
إن المكاسب السوڤييتية في الشرق الأوسط كانت تهديداً حقيقياً فقد عززت موسكو مواقعها وحضورها من خلال صفقة الأسلحة الچيكية لمصر مما عجل إنتشارها في جميع أرجاء المنطقة في الوقت الذي كان فيه الغرب بأمس الحاجة لمصادر الطاقة في الشرق الأوسط. إن نجاح سپوتنيك والقضاء على الثورة المجرية وأزمة السويس مع السيل الهائل من الأسلحة والخبراء المتجه إلى المنطقة قد مثل حاجزاً مما حدا بالرئيس آيزنهاور بالإلتزام بحماية الشرق الأوسط من العدوان السوڤييتي والذي سمي وقتها بـ”مبدأ آيزنهاور” ولكن المبدأ كان ضربة في فراغ. إن أزمة السويس قد خلقت للأميركيين شعورا وحساً قوياً إستسلامياً أمام القوى الراديكالية العلمانية القومية المدعومة سوڤيتياً وأن مصر كانت هي موجة المستقبل. زادت حينها ضغوط الجناح اليميني في الولايات المتحدة وزادت إنتقادات الحزب الديمقراطي للسياسة الخارجية وتصاعد الضغط السياسي لإجراء ما بشأن الشرق الأوسط. في أثناء ذلك فقد إنهارت الحكومية الموالية للغرب في العراق وأن ما يسمى بحلف بغداد قد إختفى فعلياً في ليلة واحدة وأن العراق قد وقع في أيدي الراديكاليين والقوميين وضباط يساريين يقف وراءهم أفضل وأقوى تنظيم سياسي في العراق وهو الحزب الشيوعي العراقي.
تحول العراق ذاتياً من زبون أسسه المستعمر البريطاني إلى قضية سياسية دولية فريدة من نوعها ثم إلى معضلة أميركية أساسية وزعزع الثقة الأميركية في مقدرة بريطانيا في إدارة دائرة نفوذها، الثقة التي إهتزت بشدة في أزمة السويس قبل سنتين من ذلك الحدث. إن دور الحزب الشيوعي في العراق من وجهة نظر الولايات المتحدة قضية رئيسية فعلى الرغم من أن الأحداث في العراق قد شكلت تداخلاً وتعقيداً كبيراً للعوامل السياسية والاقتصادية والقوى الإجتماعية في الوقت الذي لا تمتلك واشنطن فيه من الفهم عنها سوى  النزر اليسير. (وصف حنا بطاطو هذا التعقيد في كتابه الطبقات الاجتماعية القديمة والحركات الثورية في العراق). هذا عدا النظرة السطحية جداً لإدارة آيزنهاور والتي إنعكست بسياسة (إفعلها-أو-إنسحب Make-or-Break) وبالتالي فأن كل إمكانياتها لتعديل نظرتها تلك ومن ثم تعديل سياستها تتوقف على تطور الحالة – مبدأ إمكانية التعلم من الطيران.
قوبل إنقلاب ١٤ تموز ١٩٥٨ بنقاش داخل الحكومة الأميركية بخصوص كفاية التدخل العسكري السري في الشرق الأوسط العربي والذي كان من نتائجه تدخل أنجلو-أمريكي مباشر في لبنان والأردن. لقد علت نداءات من عناصر من داخل الحكومتين البريطانية والأميركية للعمل على إزالة الحكومية الوطنية لعبد الكريم قاسم. الكثيرون في واشنطن ولندن قد شعروا بأن فوضى السويس كانت نتيجة إنحراف أدى إلى ضعف الإتصال والتخطيط لذا فقد إقتنع الناشطون بأن الوضع في العراق يتطلب فعلاً متناغماً.
ثورة ١٩٥٨ في السياق
شكل العراق منذ تأسيسه عام ١٩٢٠ مشكلة عويصة بالنسبة للبريطانيين ومن بعدهم للسياسة الأميركية الخارجية في الشرق الأوسط ولكي تكون لدينا نظرة واضحة عن أساسيات الموضوع فأن العلاقات الإنجلوأميركية مع العراق قد تركزت على النفوذ والسيطرة فقط، أو وكما هو الحال غالباً، غيابهما معاً. يقف العراق على نقطة محورية حرجة بين عالم إسلامي غير عربي وبين العالم العربي فهو يقع على ملتقى الصفائح التكتونية الجيوسياسية عند وادي الرافدين وقد أجج وجود النفط التنافس على السيطرة على المنطقة وإشتد بوتيرة ثابتة في القرن العشرين. عند منتصف الخمسينيات لم يتبقى للسلطة الهاشمية في العراق أية شعبية نتيجة للحماس الوطني والقومي العربي بحيث أن عبد الناصر قد أصبح أكثر شعبية في بغداد من الحكومة العراقية نفسها مع نظرة عدائية للنظام التابع لبريطانيا من قبل الشعب.
منذ أزمة السويس عام ١٩٥٦ كان السؤال الملح بالنسبة للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط هو كيف التعامل مع عبد الناصر؟ وبمعنى أوسع ماذا تمثل القومية العربية العلمانية حقاً؟ حاولت واشنطن في أوائل الخمسينيات من ضم عبد ناصر إليها ولكنها فشلت. بعد حرب السويس برز عبد الناصر كأقوى شخصية سياسية مؤثرة في العالم العربي وأن محاولات تحييده أو عزله قد فشلت جميعها. في بداية عام ١٩٥٨ قام عبد الناصر بتدبير ولادة الـجمهورية العربية المتحدة (ج ع م) وهو إتحاد بين مصر وسوريا وأصبح قائداً للدولة الجديدة. وضعت إدارة آيزنهاور سياسة جديدة وهي سياسة التعاون المحدود والحذر معه وذلك نتيجة لإخفاقها في عزله ولكن المحاولات السرية الخفية لم تتوقف في تحريض المعارضة العربية ضده لذا عملت واشنطن من أجل قيام إتحاد بين العراق والسعودية والأردن ولكن البريطانيين ونتيجة لمرارتهم من “خيانة” جون فوستر دالاس لهم في السويس فقد حذروا وبإستمرار رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد من الوقوع في شرك المشاريع الأميركية. لقد آمنت لندن بأن العراقيين لا يشبهون المصريين سواء في مجال الدعاية أو التخريب وأن ليس للبريطانيين مصلحة لرؤية إستثماراتهم السياسية والنفطية تذهب في الحريق الذي يشعله دالاس.
كان موقف العراقيين من الكويت ومحاولاتهم لضمها إلى الإتحاد العربي الهاشمي سبباً لغضب البريطانيين حيث كانوا يخشون من أي إتفاق بينهما وإعتبروه مقدمة لتقويض سيادة الكويت إلا أن نوري السعيد، الضابط العثماني السابق، كان يرى أن الكويت هي جزء من العراق وهذا هو رأي كل من جاء بعده لذا فأن البريطانيين قد عرقلوا أي تعاون مع الخطة الأميركية والتي برأيهم قد تترك بغداد عاجزة عن مقارعة عبد الناصر أولاً وثانياً إستخدام طموح العراق أو تقوية نفوذه في الخليج وبالتحديد في الكويت.
 إن لمن سخرية القدر أن البريطانيين وليس الأميركيون هم الذين ساهموا بالقسط الأكبر في هدم النظام الهاشمي في بغداد ففي النصف الأول من عام ١٩٥٨ ومن أجل مواجهة ثقل ضغط الـ ج ع م على لبنان وبالتحديد على الأردن الهاشمي فأن لندن قد أذعنت لرغبة نوري السعيد لمواجهة عبد الناصر عن طريق التظاهرة العسكرية العراقية بالقرب من الحدود السورية والتي كان هدفها، لربما، سيؤدي إلى كبح محاولات مساعد عبد الناصر العقيد عبد الحميد السراج مدير المخابرات السورية لإسقاط حكومتي الأردن ولبنان. الإيماءة البريطانية بالموافقة على تلك التظاهرة العسكرية دفعت نوري پاشا بإصدار أوامره لبعض الوحدات العسكرية العراقية بالتحرك صوب الحدود السورية. كانت الحركة تضم قوات اللواء المتمركز في شرق بغداد بقيادة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم ومن دون إتخاذ أية إحتياطات أمنية روتينية فقد جهزت القوات بالعتاد وإخترقت مدينة بغداد بدل إستخدام طرق خارجية. الزعيم قاسم ونائبه العقيد عبد السلام عارف كانا يخططان منذ زمن لقلب نظام الحكم وقد سنحت لهما الفرصة وبكل بساطة توقفا في بغداد وأطاحا بالحكومة. كان ذلك الخطأ درساً للحكومات اللاحقة فحتى صدام حسين وبكل أجهزته الأمنية الداخلية المنتشرة والقاسية لم يسمح بدخول وحدات عسكرية إلى بغداد.
إن عبد الناصر والسوريون ربما قد كانا سببا في ذلك الإنقلاب بشكل غير مقصود ولكن البريطانيين والأميركيين إفترضوا بأنه كان بإيعاز منهما وهذا إستنتاج منطقي فأن الـ ج ع م كانت تعمل جاهدة لتخريب العراق ولبنان والأردن إلا أن في حقيقة الأمر فأن الوضع في العراق كان غامضاً حتى بالنسبة للقاهرة كما هو بالنسبة إلى واشنطن ولندن ففي غضون عدة أيام قد أدركت لندن بأن عبد الناصر وهو الآن في موسكو ليجمع التأييد لمواجهة “العدوان الغربي” لم يندفع وراء المشروع العراقي. حددت لندن بأن الكثيرين من الوطنيين العراقيين الذين ضمتهم حكومة قاسم يعادون وجهة نظر عبد الناصر وهذا هو ما كان عليه موقف الهاشميين. على الرغم من أن الحكومة الجديدة قد ضمت الناصريين والبعثيين والشيوعيين وقاسم نفسه لكنها كانت بالضد من أي إتحاد فعلي أو العمل من أجله.
رد الفعل البريطاني
لقد تم قتل الأسرة المالكة في بغداد وعندها شاعت الفوضى والنهب ولا يستبعد أن ذلك قد حدث بإيعاز من منفذي الإنقلاب ولكن الكثير منه كان عفوياً فقد كانت المنشآت الغربية والأجانب هدفاً للغوغاء فقد إحرقت السفارة البريطانية وقتل الملحق العسكري. لقد هددت الفوضى نظام الثورة الجديد وربما قد أدت إلى التدخل البريطاني فأدرك قاسم حراجة موقفه ولم يرغب بإعادة تجربة عام ١٩٤١ فأصدر أوامره بإطلاق النار على المشاغبين واللصوص فوراً وفرض النظام دون رحمة. وقد إعتذر سريعاً عما حدث وبدهاء أعلن الإحترام للمعاهدات النفطية الأنجلو-عراقية وكذلك حماية أمن الأجانب. كانت خطوات قاسم في إعادة النظام والتعهد بإحترام الإتفاقيات النفطية لها أثر مرغوب في لندن بدل المخاطرة وتكلفة الغزو. لقد كان حرق السفارة وقتل الملحق العسكري وذبح الأسرة المالكة والنصير المخلص لبريطانيا نوري السعيد قد وضع لندن في وضع محرج ولكن ما لعمل؟ فقد مات الجميع لذا فقد إختارت بريطانيا التعامل مع الأمر الواقع فلقد أذرفت بعض الدموع لرحيل الأتباع وبدأت بتأسيس صداقات مع الحكم الجديد. في مذكرة ستراتيجية أوجزت وزارة الخارجية الإستشراف الواقعي الهادئ لحكومة ماكميلان في التالي: “يبدو كما لو أن النظام الجديد مسيطر بثبات. سنتمكن عاجلاً بالحصول على شروط مناسبة معه وهذا شيء جيد. نواياه المقدمة تبدو محترمة وبالخصوص فيما يتعلق بالنفط وبالعلاقات الأنجلو-عراقية. إننا لا نستطيع بالطبع أن نتسامح فوراً مع القتل وحرق السفارة ولكن قريباً وبعد اجتماع حلف بغداد ننوي الإعتراف بالنظام[1].
إنتهى العراق البريطاني فعلياً ولكن الحكومة الجديدة تحت قيادة الزعيم قاسم بدت بديلاً مقبولاً فجأة. لم يحصل البريطانيون على تعهدات من قاسم بخصوص شركة نفط العراق فقط بل إستنتجوا بأن قاسم يتخذ خطاً سياسياً مستقلاً عن عبد الناصر. بالرغم من تعليقات ماكميلان لاحقاً بأن بريطانيا لم يكن لديها الإمكانية للتدخل ولكن لو كان قد حل الناصريون في بغداد ربما كان لذلك رد فعل مغاير تماماً. بالنسبة للبريطانيين فأن مساندة الحزب الشيوعي العراقي لقاسم كانت معضلة ولكن ذلك كان أفضل من التوافق مع عبد الناصر. لقد ثبتت لندن هدفها الاقتصادي وبذلك فقد إبتلعت فخرها وتحركت لمساندة قاسم.
بدأ ماكميلان ومستشاروه بوضع الإستراتيجيات التي تدعم قدرة قاسم على التحرك بإستقلالية عن المؤيدين الشيوعيين والناصريين والبعثيين فقد ضغطت بريطانيا للإتفاق مع الولايات المتحدة من أجل عودة شحن الأسلحة إلى حكومة قاسم. لقد أحسن السفير البريطاني في بغداد السير همفري تريڤيليان أيجاز الفوائد من دعم قاسم: “على العكس، فأن رفض شحن الأسلحة من الممكن أن يؤدي إلى خيبة أمل عميقة وإضعاف لمعنويات مؤيدي قاسم المناهضين للشيوعية وهؤلاء يحبذون الإحتفاظ بالعلاقات مع الغرب، قد يؤدي ذلك إلى الدفع بقاسم بنفسه إلى حافة الشيوعيين. إن حكومة صاحبة الجلالة تؤمن بأن الخطوات التي تتخذها هي الأفضل لمصالح الشرق الأوسط ككل.” [2] سيكون بديل ذلك هو إعادة الاحتلال وهو ليس مستحيلاً ولكنه غير عملي بالإضافة إلى ذلك فأن لندن واعية تماماً لطبيعة العناد العراقي هذا غير أنه تم إقصاء جميع أعضاء النظام القديم ولا توجد رغبة لبناء أمة من العدم.
على الرغم من الإتهامات المضادة بين موظفي وزارة المستعمرات حول مصداقية الحكومة البريطانية بالطلب للإطاحة بنظام قاسم فوراً فأن لندن قد إتخذت موقفاً عملياً متميزاً ففي آب أوجزت الخارجية ستراتيجية لندن الجديدة للمنطقة: ” نحن نمسك بالخليج. أسسنا أفضل علاقات مع النظام الجديد في العراق. نحاول تحييد لبنان والأردن بشكل يسمح بسحب القوات الأميركية والبريطانية بأسرع ما يمكن. نحسن علاقاتنا مع إسرائيل. علاقاتنا مع مصر سوف لن تتأثر أي بمعنى العمل على إعادتها إلى طبيعتها الهادئة. نحاول إعادة حلف بغداد شمالا بدون العراق.” ذهبت الخارجية إلى القول “من الجوهري من أجل صيانة مصالح إقتصادنا ومستوى المعيشة هو بقاء سيطرتنا على المصالح النفطية البريطانية في الخليج وفي الكويت تحديداً.  هناك ورقة منفصلة يتم إعدادها في هذا المجال. الإمساك بدول الخليج ممكن من الناحية العسكرية. من المتوقع بأن الأميركيين سيحذون حذونا حيث من الممكن أن يتخذوا خطوة موازية بالنسبة للظهران إن دعت الحاجة لذلك. سيكون مفضلاً ربما الإمساك بالكويت وذلك لمصلحة علاقاتنا مع النظام الجديد في العراق؛ حيث أنه لو سيطرت الشعوب العربية على مواردها النفطية كاملة فمن الممكن أن يطلبوا منا تقديم فدية، ولكن مادام العراق يعلم بأننا من الممكن أن نستغني عن نفطه، إن دعت الضرورة، بالإعتماد على نفط الكويت فسيكون مجبراً على قبول شروطنا.”[3] لقد فهم البريطانيون بأن الكويت جيوسياسياً وإقتصادياً هي أفضل أدوات نفوذهم على العراق – الكويت هي سدادة الزجاجة العراقية.
السياسة البريطانية إحتوت تقويماً صريحاً بما ترغب فعله لحماية مصالحها فهي لم توضح رغبتها للتدخل عند الضرورة (العبارة الرئيسية) فقط بل أيضاً أنها قد أكدت ثقتها على قدرتها على تنفيذها بنجاح إن دعت الضرورة لذلك. “المعضلة الرئيسية هي في داخل الخليج نفسه فما دام بمقدور الحكام حماية مراكزهم فسوف نتدبر الأمور بنجاح، ولكن إذا إفترضنا جدلاً، بأن حاكم الكويت قد عاد من دمشق وأعلن رغبته بفك إرتباطه بنا وإرتبط بـ ج ع م فسنواجه مأزقاً، فإما أن نزيحه إي بمعنى إحتلال وإدارة الكويت كمستعمرة، أو الإذعان لخسارة ما تبقى لنا من أهم مصادر نفط الشرق الأوسط. من المفترض أن نختار البديل السابق ولكن لأجل تنفيذ ذلك فسوف نتعرض لمشاكل جمة مع بقية العالم العربي وسوف تكون مهمتنا بالعودة إلى علاقاتنا الطبيعية مع العراق أكثر صعوبة ومع ذلك فيجب مواجهة تلك المصاعب وإنتظاراً لحدوث حالة خطرة كهذه، يجب علينا تفادي فرض الأمور وتحديداً ألا نضع قوات في الكويت أو قطر بالضد من رغبة حكامها. ومع ذلك فيجب العمل على تجهيز بعض وسائل وجود قوات من أجل التدخل السريع.[4] لقد كان التدخل بديلاً مقبولاً ولكنه فقط آخر الخيارات. إن كان بالمستطاع خدمة المصالح البريطانية عن طريق السياسة دون تدخل فأن السير في هذا السبيل مرغوب أكثر.
رد الفعل الأميركي
لقد فاجأت تسوية ماكميلان الواقعية واشنطن لأن آيزنهاور وإدارته كانا يعتقدان بأن البريطانيين سيتحركون بسرعة لقلب النظام العراقي فوزير الخارجية جون فوستر دالاس والذي كان يحضر مؤتمر حلف بغداد في أنقرة قد ذكر في محادثة تلفونية مبكرة بأنه من المتوقع جداً تدخل البريطانيين حيث أن المحادثات المبكرة مع وزير الخارجية البريطاني سيلوين لويد قد ساهمت في تكوين هذا التوقع وفي محادثة تلفونية مع آيزنهاور فقد وافق دالاس بأن الإنقلاب كان مشروعاً ناصرياً آخر وأن لبنان والأردن قادمان على الطريق ومن أجل منع ذلك فأن أميركا قد بدأت بنشر قواتها في لبنان وهي تدفع ببريطانيا لإتخاذ خطوات موازية لمساندة حسين ملك الأردن. لقد أشار مقال The Nation بدقة إلى “لقد سيرتنا أنباء بغداد ببوارجنا إلى لبنان قبل أن نستلم تقريراً ثانياً من المراقبين، تحركنا حتى قبل أن نعرف حقاً ماذا يجري في العراق.”
في هذه الأجواء بدأت واشنطن النظر إلى موقف لندن تجاه العراق وقاسم وسط ذعر متنام وأن نيكسون قد أوجز المشكلة بالتساؤل فيما إذا كان البريطانيون يعتبرون ناصر خطراً أكبر من الشيوعيين بالنسبة للشرق الأدنى؟. إن عدم قدرة البريطانيين على الإستشراف وعلى إحباط الإنقلاب كان صدمة وأن قرارهم في البحث عن تكييف ما، سيؤدي إلى تآكل ثقة واشنطن في قدرة لندن على حماية مصالحها أو مصالح الغرب في العراق. هذا السبب هو الذي نثر بذور الفرقة في السياسة الأنجلو-أميركية تجاه العراق.
الضغط من أجل فعل ما بشأن العراق
أصبح العراق مشكلة سياسية داخلية لإدارة آيزنهاور فالكساد الاقتصادي عام ١٩٥٨ مقترناً بقضايا الحرب الباردة مثل سپوتنك والمجر وزيادة النفوذ السوڤييتي في العالم وفي الشرق الأوسط تحديداً قد وضعها في موقف الدفاع. أما بالنسبة للفرقاء السياسيين فأن العراق قد أصبح آخر أمثلة الفشل للسياسات وصار كمتلقي الصواعق للسياسيين وإنتقاداتهم يميناً ويساراً. إبتدأ الكونغرس جلسات إستماع خلف أبواب مؤصدة عن “فشل المخابرات”. حاول مدير السي آي أيه ألن دالاس لوم البريطانيين وحين عجز من إعطاء أي تصور عن تشكيلة أو عن الأشخاص في حكومة قاسم، أشار السناتور فولبرايت بأنه على الرغم من الأموال الهائلة التي تنفق على جهاز المخابرات فأننا فيما يتعلق بالعراق كنا “نتخبط في الظلام”.[5]
عبر الإعلاميون المحافظون عن خشيتهم من أن نظام قاسم سيكون تابعاً للسوڤييت وقد دفع الإنقلاب والإنتقاد والتهديد الشيوعي بالعراق إلى قمة أجندة أجهزة المخابرات مما سلط ضغطاً هائلاً على ألن دالاس. إن العلاقات الوطيدة للأخوة دالاس بآيزنهاور منحت حماية سياسية غير مسبوقة لمدير السي آي أيه، لكن في شتاء ١٩٥٩ فأن سرطان القولون قد إستفحل على وزير الخارجية ووصل مراحله النهاية مما أدى إلى رفع الغطاء عن مدير السي آي أيه وهو الذي تمتع بذلك الغطاء تاريخياً ولكيلا يتهم بالفشل ثانية ففي خريف ١٩٥٨ وشتاء ١٩٥٩ بدأ بقرع الطبول دون إنقطاع وبنغمة تنذر بالشر للعراق. فصرح “إن إستولى الشيوعيون على السلطة فلا أحد يمكنه أن يلوم السي آي أيه على أنها لم تتوقع ذلك” لذا فأن مكتب المخابرات الآنية (Current Intelligence)  في السي آي أيه قد كثف حملته أكثر فأكثر على إعتماد قاسم المتنامي على الشيوعيين وقد تصاعدت فيما عُرف آنذاك بـ “حرب العرب الباردة” بين النظام العراقي وبين العناصر الناصرية والبعثية. إستنتج جهاز التقدير الإستخباري الوطني الخاص (SNIE) في ١٧ شباط ١٩٥٩ بأن قاسم قد “فقد القدرة على كبح حركة إستيلاء الشيوعيين على السلطة” مع ملاحظة أن العائق الوحيد لعدم حدوث ذلك يبدو هو سيطرة العناصر غير الشيوعية على قوات الأمن. السفير الأميركي جيرنيگان، والذي أُنتقد سابقاً لمجرد أنه تفاءل بالتقويم البريطاني، لم يكن إستثناءاً حين كتب أنه “خطر مهلك” وأنه “في المدى القصير” ربما سيكون العراق “تحت السيطرة الشيوعية الكاسحة“.[6]  
إدارة آيزنهاور لم تصدق بأن قاسماً كان شيوعياً بل كانت مخاوفها هي من أن تنامي الإعتماد على الحزب الشيوعي قد يمهد الطريق له للإنقضاض على السلطة، ولكن في نفس الوقت فأن خطاب قاسم المعادي للغرب وتوطيد علاقاته مع موسكو قد ساهما في عدم تبديد هذه المخاوف. هذا هو نفس المنطق الذي إستخدم قبل خمسة أعوام لتبرير عملية أجاكس AJAX لإزاحة محمد مصدق في إيران إلا أن هناك فرقاً هاماً ألا وهو أنه في عام ١٩٥٣ كانت حكومة تشرشل تدفع بالأميركيين للتدخل أما الآن فأن البريطانيين قد نصحوا بإعتماد الصبر والهدوء حيث أنهم يعتقدون بأن قاسم قد ضمن صد إستيلاء الشيوعيين على السلطة ولكنهم في نفس الوقت كانوا يخشون أن تكون النزعة الحربية الأميركية سبباً لخسارتهم لإستثماراتهم النفطية.
تبين لآيزنهاور ولمؤسسة السياسة الخارجية أن هناك فرصة حينما إزداد نظام قاسم عدائه للناصريين، ففي خريف ١٩٥٨ بدأت واشنطن تدرك أنها لم تفهم في البداية طبيعة الإنقلاب وأن ناصر لم يكن هو اليد الخفية وراءه. وجد الناصريون والبعثيون أنفسهم تحت هجوم قاسم ومؤيديه في الحزب الشيوعي. لقد وجد عارف، شريك قاسم في الثورة والمؤيد القوي لـ ج ع م، نفسه أول المنفيين كسفير في بون وبعد ذلك تم إعتقاله وحكم عليه بالإعدام. وبتشدده الذي عرف عنه فقد قام الرئيس المصري بحملته المشهودة ضد الشيوعية واكبه هجوم بلا رحمة ضد الشيوعيين في مصر وسوريا وفي نفس الوقت فقد أعلن إستياءه من الدعم السوڤييتي لقاسم. وجد ناصر نفسه في حرب كلامية حامية مع كل من قاسم والرئيس خروتشوف واصفاً الروس بـ “جحافل المغول“. في النهاية فأن واشنطن والقاهرة قد وجدتا، كل حسب أسبابه، أن لديهما أرضية مشتركة تجاه الخطر المتمثل بنظام قاسم ومؤيديه الشيوعيين.
عند نهاية عام ١٩٥٨ إستنتج ناصر بأن التهديد الأقرب لزعامته لحركة القومية العربية ولرؤيته لـ ج ع م يقع في بغداد وهو الآن يرى منافساً آخر له من الثوريين العرب، ففي نقاش مع مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا وليام رونتري فأن ناصر قد قدم عرضاً وهو “دعوة لجهد خفي مشترك بشأن العراق” وفي خلال بضعة أشهر تحولت الإدارة الأميركية من الإنذار عن مؤامرة ناصر في لبنان والأردن والعراق إلى تشجيع حرب دعاية ناصر وإزالة نظام قاسم. لقد ربط آيزنهاور ذلك بالخيار المر كما هو الخيار بين جون دلنجر وآل كاپوني لكنه إستنتج سريعاً بأن ناصراً يعادي الشيوعية هو الخيار المفضل على قاسم والحزب الشيوعي العراقي.
الإختلافات الأنجلو-أميركية بشأن العراق
لقد ولدت هذه الحالة توتراً في العلاقات الأنجلو-أميركية، فبسبب حماية إستثماراتهم النفطية فضل البريطانيون المقامرة على قاسم أما نيكسون نائب الرئيس فقد عبر عن قلقه من النفوذ الشيوعي ومن مساندة لندن لقاسم حين صرح “إعتقد البريطانيون بأن بإمكانهم أن يصلوا إلى صفقة مع الشيوعيين العراقيين“. ليس هناك القليل من الحقيقة في ملاحظة نيكسون ففي الحقيقة فأن البريطانيين قد خافوا من نظام ناصري في العراق ومن النتائج المحتملة على المصالح النفطية هناك وفي عموم منطقة الخليج أكثر من التهديد المحتمل من إستيلاء الشيوعيين على السلطة. لقد ضغطت لندن من أجل إستمرار شحن الأسلحة إلى العراق منازعة بأن تقوية قاسم والجيش العراقي ستكون أقوى جدار نار ضد الشيوعيين والناصريين.
صرح السفير البريطاني في بغداد تريڤيليان بأن “إحدى مشكلاتنا الرئيسية هي كيف نحسن علاقات الأميركيين مع قاسم.” لقد ضغطت حكومة ماكميلان على واشنطن لإستخدام نفوذها في القاهرة للسيطرة على محاولات ناصر لزعزعة نظام قاسم لكن محاولاتها قد أهملت مدعية بأن أية محاولة للتأثير على ناصر دون جدوى وتزامن ذلك مع تشجيع واشنطن جهود ناصر لمحاربة الشيوعية وقاسم وقد شرحت وزارة الخارجية الأميركية موقفها “في الوقت الذي ليس هناك صلة مباشرة بين حملة ناصر الحالية ضد الشيوعية وبين الخطوات التي إتخذناها تواً لمؤازرة مصر وبأن ليس هناك أي شك بأن ناصر يعلم بأننا إتخذنا هذه الخطوات تجاهه هي إشارة لموافقتنا على حملته الحالية وإنها تشجيعاً له في جهوده ضد الشيوعية.”[7] إن هذا التفاهم الضمني مع ناصر كان له فوائد أخرى فواشنطن تحاول تسوية موضوع لبنان وتسهيل إنسحاب القوات الأميركية منه وكان هذا أمراً مرغوباً من قبل ناصر كي يركز مكائده السياسية على العراق وليس على لبنان والأردن. عند ذاك كانت هناك فوائد إضافية محتملة وهي أن العناصر الناصرية ربما قد تنجح فعلاً في حشد إنقلاب يزيح قاسم ويؤدى إلى تدمير الحزب الشيوعي العراقي.
التدخل وأزمة آذار- نيسان ١٩٥٩
في يوم ٥ آذار ١٩٥٩ أخبر مدير السي آي أيه دالاس مجلس الأمن القومي بأن “أحداثاً تبدو أنها تتحرك في إتجاه سيطرة شيوعية نهائية.” بعد ذلك وفي يوم ٦ آذار فأن قيام مهرجان شيوعي مخطط في الموصل قد أوصل الحالة في العراق إلى أقصاها ففي ٨ آذار وبمساعدة تابع ناصر في سوريا العقيد عبد الحميد السراج ومؤيدو ناصر في الموصل وتحت قيادة العقيد عبد الوهاب الشواف قاموا بمحاولة إنقلابية قبل موعدها. لقد فشلت المحاولة وقد سمح قاسم للشيوعيين ومؤيديهم بحملة شعواء وتعليق الأعداء الحقيقيين والمفترضين لنظامه على أعمدة الإضاءة (بدأ الإنقلابيون بحملة قتل العناصر الشيوعية والمؤيدة لها أثناء التمرد قبل أن تدب الفوضى وتبدأ أشبه بحرب أهلية سياسية المظهر طبقية إثنية الجوهر- المعرب) . بدأ الشيوعيون بالضغط على قاسم بالحصول على مناصب وزارية بضمنها مواقع قيادية في الجيش والأمن. لقد تبين بأن قاسم كان يرغب بإنشاء ميليشيا شعبية مدعومة شيوعياً كقوة مقابلة للجيش عندها فقد تصاعدت آمال الحزب الشيوعي العراقي والسوڤييت بعد الإقصاء المنظم للقوميين من الحكومة.
إذاعة بغداد، وضمن حرب الدعاية بدأت بالإشارة إلى ناصر “ربيب الإمپريالية الأميركية” في الوقت الذي كان يُنظر إلى ناصر وبشكل واسع في الشرق الأوسط على أنه “الأداة المختارة لواشنطن“. لقد وجد ناصر ذلك مفيداً له إلى حد ما فكان أن رد بأن قاسم قد سلم العراق في “إيدي الشيوعيين” وقد بالغ في صخبه قائلاً “إذا تأسست دولة شيوعية فأن جميع العناصر الوطنية والقومية سيتم إقصاؤها والقضاء عليها وذلك عن طريق إختراع حوادث من أجل التخلص منها وبالتالي تأسيس دكتاتورية إرهابية حمراء وسيسود الإستعباد.”[8] هذه المرة، فأن واشنطن وأداتها المختارة على النيل كانتا في إتفاق مطلق.
كان لتمرد الموصل الأثر العميق على موقف واشنطن الرسمي والتي علقت آمالها على نجاح إنقلاب ناصري ولكنه فشل. لقد إزدادت تكهنات تقارير المخابرات عن الهيمنة وعن المكاسب الشيوعية المطردة. إن إستقالة وزير الخارجية دالاس في آخر أيام حياته أوائل نيسان قد خلقت إرباكاً في مؤسسة السياسة الخارجية لذا إتخذ نائب الرئيس نيكسون، وهو المرشح المفترض للجمهوريين لإنتخابات ١٩٦٠، دوراً واسعاً فقد أراد فعل شيء ما حول العراق. كان نيكسون يعتقد بأن أجهزة السياسة الخارجية وبالتحديد الوزارة كانت حذرة جداً في تعاملها فكانت النتيجة مكاسباً للشيوعيين حول العالم وبالتحديد في الشرق الأوسط. كان نيكسون يريد أن يصنع له دوراً في سياسة خارجية حقيقية كي يدعم ترشحه في الانتخابات القادمة فعندما تنحى دالاس في أوائل شهر نيسان تحرك نيكسون وترأس اجتماع مجلس الأمن الوطني في غياب آيزنهاور منتهزاً الفرصة كي يضع بصماته على سياسة الولايات المتحدة تجاه العراق.
تقدمت رغبة نيكسون في إتخاذ نهج أكثر إقداماً تجاه حالة العراق ففي اجتماع مجلس الأمن الوطني في ١٧ نيسان وفي غياب الرئيس، والذي كان يلعب الغولف في مدينة أوغستا، ترأس نيكسون الإجتماع. في الأسابيع التالية إزداد نيكسون عدوانية تجاه العراق فكان يريد صراحة بأن تتخذ الولايات المتحدة دوراً أكثر فعّالية فهو لم يكن سعيداً لما كان يراه دوراً خاملاً لوزارة الخارجية أو بخصوص قرار التنسيق الوطيد مع البريطانيين فقد ضغط وبتأني من أجل نهج أكثر عدائية. طلب نيكسون توصيات مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى رونتري فبين رونتري بأن “ليس بمقدور الولايات المتحدة تحمل إستيلاء الشيوعيين على السلطة في العراق ولكن موقفهاً هو أن ليس بالإمكان فعل أي إجراء إستباقي لمنعه”. علق نائب الرئيس “لو أن تحليل وزارة الخارجية قد أتخذ بصيغته الظاهرة فأن “ليس بمستطاع الولايات المتحدة فعل أي شيء لمنع حدوث الأسوأ.” كانت وجهة النظر بأن على الولايات المتحدة الإنتظار حتى تتم دعوتها للتدخل في العراق مباشرة وقد علق نيكسون على ذلك قائلاً: “إن نحن إنتظرنا حتى يقبض الشيوعيون على السلطة فسوف لن يتبقى أحد أو أي كان ليدعونا للتدخل“. أجاب رونتري “إن الإشمئزاز من أي حكومة تنصبها الولايات المتحدة سيكون هائلاً جداً وسيكون إحتمال مصيرها الكنس بعيداً وبديلها سيكون من المحتمل جداً حكومة شيوعية، لذا ولهذا السبب وحده لا يمكننا الدفاع عن عمل كهذا، هذا عدا عن المبادئ العريقة للولايات المتحدة التي ستنتهك بسبب عدوان لم تستفز فيه، وعدا ردود الأفعال النفسية الكارثية في جميع أنحاء أفريقيا وآسيا والتي ستظهرنا لا محالة على أننا معتدون أسوأ من الشيوعيين.” قدم رونتري حلاً بديلاً، محاولاً تهدئة نيكسون، وهو تشجيع ج ع م على “عمل عسكري يكون عن طريق تسلل قوات عسكرية من الـ ج ع م إلى العراق للعمل يداً بيد مع القوات المنشقة.” بعد مزيد من النقاش إنتهى الإجتماع بإتخاذ قرار بأن يتم إعادة النظر في “الخيارات” بعد أن تأخذ مجموعة العمل المشتركة وقتها لفحص الخيارات و “مسار العمل.” [9]
في اجتماع مجلس الأمن الوطني اللاحق نوقشت أفكار عن التدخل وعن الجهود للخروج في حالة نشوب حرب أهلية أو إنهيار العراق. لم يتغير ما كان يرد من تقارير عن العراق وإستمرت التوقعات في تشاؤمها إلا أنه وفي غضون إسبوع واحد فقط فأن المؤشرات عن عمل أميركي صار متحفظاً فعندما سألنا ماذا حدث بعد اجتماع مجلس الأمن الوطني الذي ترأسه نيكسون في ١٧ نيسان؟ فكان الجواب من الجنرال أندرو گودپاستر رئيس أركان الرئيس حيث أجاب بأنه أخبر الرئيس تلفونياً عن موقف نيكسون الهجومي الواضح وبأن آيزنهاور قد رفض بشكل مطلق أي تدخل في الظروف الحالية سواء أكان سافراً أم بغطاء. ترأس الرئيس الاجتماع التالي ونوقش الوضع القاتم في العراق لكنه أكد ثانية على نهج “ننتظر ونرى”. إن طبيعة آيزنهاور المحافظة وخبرته قد إنتصرتا على التهور وعلى الأفعال التي تحركها الآيديولوجيا.
أيدت لندن نهج آيزنهاور المحافظ وهذا ما دفعه لإقتراح مجموعة العمل المشترك حول العراق والتي رحبت بها لندن حيث وجدت فيها وسيلة لمراقبة والتأثير على سياسة الولايات المتحدة لأن البريطانيين يعتقدون بأن التدخل الأميركي في الحالة الراهنة مشكوك به ولكنهم ما زالوا قلقين. في حزيران ١٩٥٩ قُدمت ورقة وزارية معنونة “الوضع الراهن” ترسم موقف لندن؛ “يجب علينا تفادي أن نظهر بأننا ندفعهم لإتخاذ قرار بأي شكل من الأشكال.” إن كان التدخل الأميركي وشيكاً فأن لندن ستقرر فيما إذا أنها ستحاول ثنيهم عن ذلك. إستنتجت الورقة، ” كان من المرحب به دائماً بأنه من المرجح أن مصالحنا ستُخدم أفضل ما يمكن من قبل قاسم وهو الذي يستقل بنفسه عن الشيوعيين وعن أتباع ناصر وتمكنه من أن يتخذ خطاً سياسياً وسطياً ومحايداً…فما دام قاسم وهو في السلطة ومبرهناً على نيته بحماية إستقلال العراق يجب علينا ألاّ نشجع أي تآمر ضده من أية جهة.” إن كان ممكناً فأن البريطانيين ينوون تفادي التدخل.
بدأت الأمور تترشح وأن آيزنهاور وماكميلان بدءا حصد النتائج ففي ٣٠ حزيران إستنتج مكتب التقدير الإستخباري الوطني الخاص عن العراق ما يلي، “نشعر الآن بأن تقديراتنا كانت متشائمة، أما الآن فنعتقد من المحتمل أن سيطرة الشيوعيين على العراق أقل.” ماذا حدث؟ لقد حرك الشيوعيون أيديهم عالياً وإستخدموا فشل التمرد في الموصل للحصول على نفوذ أكبر في الحكومة العراقية. بعد أحداث التمرد فوراً عين قاسم شيوعيين أكثر في الحكومة وقد قدم الناصريون والبعثيون “خونة” الثورة إلى محكمة خاصة؛ ولكن في الأشهر التي تلت ذلك قاوم قاسم مطالبهم الرئيسية فقد إستخدمهم لتحييد المناوئين له من الناصريين والبعثيين وتحول إهتمامه إلى الخطر الماثل من قبل الحزب الشيوعي، فهم بين أعلى مستوىً وصلوه في نيسان ١٩٥٩ وصيف ١٩٦٠ وجد الشيوعيون أن قوتهم قد تتهاوى. لم تتأسس ميليشيا وعلى الرغم من اللغة الخطابية للمحكمة الخاصة إلا أن أحكامها كانت أقل صرامة بكثير مما طالب به الحزب الشيوعي حتى أنه من الغرابة أن بعض المتهمين قد برأت ساحتهم. في صيف ١٩٥٩ حينما سير الشيوعيون مظاهرات وإندلع العنف ضد القوميين قام قاسم بفصل عدد منهم في الحكومة وأعتقل العديد من قادتهم وذلك لإستعراض القوة. أصبح الحزب الشيوعي اليوم هو المشكلة.
جاء إنقلاب قاسم السياسي على شكل مناورة سياسية رشيقة ولكنه لم يحصل منها إلا على فضل قليل ووعد بإعادة الحياة السياسية والسماح للأحزاب الشرعية لإعادة نشاطها السياسي. وجد الحزب الشيوعي في ذلك فرصة للظهور كحزب منظم وربما الحزب الحقيقي الأكبر في البلاد. يمثل الحزب الشيوعي العراقي التيار الرئيسي للجماعات الشيوعية ولكن كان هناك حزب منشق فقام قاسم بدهاء بتسمية الحزب المنشق كحزب شيوعي شرعي وحيد. في خريف ١٩٥٩ فأن الأزمة “الشيوعية” في مقابل أزمات للعراق المزمنة قد مرت بسلام ففي تشرين أول ١٩٥٩ قام البعثيون وبضمنهم صدام حسين بمحاولة كانت توشك أن تنهي حياة قاسم. إن عدم الإستقرار كان متوطناً ولكن السياسة البريطانية لمساندة قاسم ضد الحزب الشيوعي قد أتت أُكُلُها، وكما كان رفض آيزنهاور للمخاطر العالية – تدخل دون نهايات. بدلاً عن ذلك فإن السياسة الأنجلو أميركية قد سمحت للقوى النابذة من العرب والعراقيين وكذلك النفور التاريخي بين القاهرة وبغداد ليأخذا دورهما.
نتائج السياسات المحافظة
في ذكراها الثانية فأن الثورة العراقية قد توقفت وقد شكى قاسم للبريطانيين بأن الأميركيين ينظمون القوى الإسلامية للإنقلاب عليه. بدأ حينها قاسم في البحث عن موضوع توحيدي بعد زيادة فقدان شعبيته وفزعه غير المبرر بعد محاولة إغتياله فأراد أن يحول الإنتباه عن الوضع الاقتصادي المتردي والجمود السياسي فوصل إلى النقطة، التي ثبُت في النهاية، بانها كانت الفكرة القاتلة حين بدأ يهدد عشوائياً ويشن حملة لمعاداة الإمپريالية مستهدفاً عُمان، فلسطين، والنفط العربي ملحقاً ذلك بإحياء مطالبة العراق بالكويت ففي ١ آيار ١٩٦١ كتب تريڤيليان السفير البريطاني تقريراً “إلى الآن لم نقرأ أي شيء شرير” عن تعليقات قاسم حول “رابطة الدم” و “لا حدود” بين العراق والكويت ولكن وكما هو “معتاد فلا يعتبر ذلك هيجاناً.” في آيار وحزيران تصاعدت حرب الكلمات عندها عمل قاسم للوقوف في زاوية سياسية ودبلوماسية.
على الرغم من أن عملية صنع القرار بالتحديد ظلت لغزاً وسراً من الأسرار فأن قاسم إستنتج بأن عليه المضي في تلك الحركة في الأقل لإسناد خطابه. في أواخر حزيران بدأ بتحريك الدبابات والقوات إلى حدود الكويت وسواء كان ذلك لتخويف الكويت من أجل الإمتياز أم كان تحركاً جدياً لإحتلال الجار الغني بالنفط فقد ثبت لاحقاً بأن النتيجة كانت كارثية عليه. سأل السفير الأميركي في القاهرة جون بادو عبد الناصر عن تقويمه لدافع قاسم وقد توقع بأن العراقيين يعوضون بذلك النقص المالي الناتج عن تأميم شركة نفط العراق. قال ناصر، “أنت على حق، هذا ما يقوله الناس. لكني لا أعتقد بأن هذا هو السبب في النهاية. أنا أعتقد بأنه في صباح يوم ما كان مجتمعاً في غرفة الرجال وقابل رئيس أركانه وأحد الحاضرين قال لآخر، “لم لا نأخذ الكويت؟” فرد الآخر {والله وبالله وتالله إنها لفكرة جيدة، دعنا نفعلها}. هكذا نحن نتخذ القرارات في بعض الأحيان.” كان رد الفعل البريطاني سريعاً وحاسماً وبطلب من الأسرة الحاكمة في الكويت قامت بريطانيا بنشر وحدات بحرية وجوية من البحرين في الكويت. صرح السفير تريڤيليان بأنه يرفق “أهمية قصوى” لإمكانية التعامل بفاعلية مع الهجوم العراقي ولكنه حذر من أن “تداعيات الصدام العسكري مع العراق سيثير مرة أخرى الشعور ضد البريطانيين في عموم الشرق الأوسط.”
تراجع العراقيون وفي النهاية حلت قوات الجامعة العربية محل البريطانية في الكويت. كتب محمد حسنين هيكل صديق عبد الناصر والناطق بإسمه مقالاً في صحيفة الأهرام اليومية الواسعة الإنتشار، “إن السويس كانت رمزاً لإنتصار الكفاح للحقوق العربية ولكن قاسم بتهديده قطراً عربيا صغيراً والذي إستقل حديثاً قد أنتج حالة لا تصدق عندما وقفت القوات السعودية والكويتية متكاتفة مع الإمپرياليين البريطانيين والذين عادوا دون إراقة دماء أو إطلاق نار وهم يواجهون جيشاً عربياً.” لقد حصلت لندن والكويتيون على فوائد إضافية لكن ناصر الذي رفض سابقاً الإعتراف بالكويت بسبب علاقتها ببريطانيا فهو الآن ومع وجود القوات المصرية وهي تحمي الكويت ضد الغزو العراقي فأن الإعتراف قادم.
هذا الفشل قد أضعف وضع قاسم المتداعي أصلاً وأن المتآمرين القوميين والناصريين والبعثيين العراقيين قد تمكنوا منه في النهاية في شباط ١٩٦٣. لقد تم إعدامه بسرعة مع رفاقه المقربين. لقد دمر القوميون والبعثيون الشيوعيين العراقيين تماماً بحمامات دم تفوقت على ما حدث في الموصل عام ١٩٥٩ وكما وصفها حنا بطاطو، “لقد قاتل الشيوعيون كأي رجال يقاتلون وهم يعلمون سوف لن يجدوا هناك رأفة تنتظرهم حين يخسرون.”[10]صرح حسين ملك الأردن بأنه يعرف “بالتأكيد” بأن الإنقلاب كان له السند من المخابرات الأميركية وبالإشارة إلى هذا التصريح الأخير فأن كل الحكومة الأميركية قد ساندت الإنقلاب ولكن هذا يختلف عن أن تكون هناك يد مباشرة فيه فبينما الولايات المتحدة لم تشارك فعلياً في الإنقلاب فأن واشنطن بالتأكيد قد شجعت هؤلاء الذين عارضوا قاسم وبالتحديد من خلال رعاية المنتقم على النيل؛ عبد الناصر. هذا الدعم والتشجيع سببا لأن يعلق أحد البعثيين في وقت لاحق بأن البعث جاء إلى السلطة “على ظهور الأميركيين.” ومع كل المبالغات فأن هذا التعليق يحتوي في الأقل على بذرة من الحقيقة ولكن في النهاية فأن آيزنهاور وحتى نيكسون قد حصلوا على ما يريدون وبدون تدخل سافر.
يمكننا الآن أن نتنبأ ماذا كان يمكن أن يحدث عام ١٩٥٩ لو أن الرئيس لم يكن خبيراً في الشؤون الدولية والعسكرية أو أنه قد تأثر بآيديولوجياً نائبه نيكسون في حال قد تدخل في العراق، بعد ذلك مرة أخرى ربما سيكون لدينا فكرة جيدة. لحسن الحظ فأن آيزنهاور يعرف أكثر من القليل عن العسكرية وشن الغزوات وإحتلال البلدان ويختار ويستمع لمستشارين جيدين ويوازن مصالح الولايات المتحدة. لقد مثل الرئيس دور الأفضل بين تقاليد المحافظين الأميركيين من حيث واقعيته وصد مخاطر السياسة الخارجية وكذلك المسؤولية المالية. ربما لا يعيد التاريخ نفسه ولكن المعلومة الحقيقية والتقويم المتحفظ للسوابق التاريخية في هذه الحالة تكون دروساً. بالنسبة للبريطانيين فأن ماكميلان كان يعلم ماذا أسسوا في العراق وبالتالي فقد إختار تفادي التدخل. في عام ١٩٢٦ تذمر ونستون تشرشل، وزير المالية والذي يقال عنه أنه هو من أسس العراق، بعد أن إستلم قائمة بتكاليف الاحتلال البريطاني، حيث قال “أنا أكره العراق، كنت أُفضل بألا نذهب إلى ذلك المكان” وقد قارن البقاء في العراق “بالعيش على فوهة بركان بغيض“. في الأعوام ١٩٥٨-١٩٥٩ فأن رئيساً أميركياً، سياسياً كان في أدنى حال، قد قرر بأن التدخل في العراق كان حقاً هو آخر مآل، وعلى مدى (٤٥) عاماً فأن قرار آيزنهاور ظل كسياسة ثابتة، لذا فأنه حتى في إستفزاز الكويت عام ١٩٩٠ تفادت الولايات المتحدة التدخل السافر في العراق. لقد كان محبطاً- خاصة وأن الأميركيين يستعجلون لفعل شيء ما ولإصلاح الأشياء، ولكن ماذا كان بديل آيزنهاور الحقيقي؟ نحن الآن لدينا فكرة.

[1] “Policy in the Middle East, CAE Shuckburgh to FO for distribution,” August 24, 1958, Public Records Office (PRO), FO371/132545, p. 7. “السياسة في الشرق الأوسط” إلى وزارة الخارجية البريطانية للتوزيع

[2] “Telegram from British Embassy Baghdad (Trevelyan) to FO,” April 28, 1959, No. 429 (Eq1071/21), PRO, FO 371/140957, p. 1. برقية السفارة البريطانية بتأريخ ٢٨ نيسان ١٩٥٩

[3] “Policy in the Middle East, CAE Shuckburgh to FO for distribution,” August 24, 1958, Public Records Office (PRO), FO371/132545, p. 2.

[4] المصدر السابق ص (٥)

[5] “Telegram from US Embassy Baghdad (Jernegan) to WDC, March 26, 1959, No. 2758, Part 1,” DDE Library, PPDDE, Office of the Staff Secretary, Box 8, Section II, pp. 1-2. برقية من سفارة الولايات المتحدة في بغداد برقم ٢٧٥٨ في ٢٦ آذار ١٩٥٩

[6] “Telegram from US Embassy Baghdad (Jernegan) to WDC, March 26, 1959, No. 2758, Part 1,” DDE Library, PPDDE, Office of the Staff Secretary, Box 8, Section II, pp. 1-2. برقية السفارة السابقة

[7] “Memorandum John A. Calhoun, Executive Secretariat, DOS, Office of the State Secretary to General Andrew Goodpaster, White House,” April 15, 1959, DDEL, PPDDE, O ce of Sta Secretary, Box 8, pp. 4-5.

[8] Robert Stephens, Nasser, A Political Biography (New York: Simon & Schuster, 1971), p. 309. روبرت ستيفن: ناصر سيرة سياسية ١٩٧١ ص ٣٠٩.

[9] “Discussion at the 402nd Meeting of the NSC,” April 17, 1959, DDEL, DDEPP, Ann Whitman Files, NSC Series, Box 11, pp. 1, 8-11. Also see FRUS, Iraq 1958. نقاش في الاجتماع ٤٠٢ في ١٧ نيسان ١٩٥٩

[10] Batatu, Old Social Classes, pp. 982-987. بطاطو، الطبقات الاجتماعية القديمة ص: ٩٨٢-٩٨٧

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

error: Content is protected !!