آليات الهيمنة الغربية – تاريخ قصير للعراق والكويت
ديڤيد كلاين
تعريب: وليد إبراهيم حسين
Mechanisms of Western Domination: A Short History of Iraq and Kuwait by David Klein California State University, Northridge January 2003 | آليات الهيمنة الغربية: تاريخ قصير للعراق والكويت ديفيد كلاين جامعة كاليفورنيا الرسمية، نورثرج كانون ثاني (يناير) ٢٠٠٣ |
مقدمة المعرب
هذا البحث التاريخي القصير عن علاقة العراق مع الكويت وتحكم بريطانيا ومن بعدها الولايات المتحدة بهذه العلاقة في سبيل الحفاظ على مصالحهما الإستراتيجية والإقتصادية في المنطقة العربية، كتبه الپروفيسور ديفيد كلاين، أستاذ الرياضيات في جامعة كاليفورنيا الرسمية (نورثرج) قبل حوالي الشهرين من شن حرب إحتلال العراق بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وإسقاط نظام حزب البعث والذي حكم العراق لخمسة وثلاثين عاماً بمساعدتهما. الباحث محاولا تقديم البرهان على أن كل الأحداث التي تجري في منطقتنا العربية هي أحداث مخطط لها بعناية ومبرمجة من قبل دوائر المخابرات الغربية كي تنتهي إلى النهايات والنتائج المرجوة ولأجل خلق العوامل الموضوعية التي تشكل الأرضية لإستمرار الصراع وتفجير الأوضاع عند الضرورة. ما كتبه السيد كلاين لم يغب عن ذهن أبسط الناس من مواطني المنطقة والإيمان بأن ما يجري يتم تحريكه من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين وفي مقدمتهم بريطانيا كي تسيطر على المنطقة وثرواتها وتكون حائط صد في وجه منافسيها الآسيويين والأورپيين.
الغرض من نشر هذه الورقة بعد حوالي ثمانية عشر عاماً على كتابتها من قبل مواطن أميركي، يفضح فيها مآرب الإمپريالية العالمية بصيغتها الحديثة في السيطرة على العالم وثرواته وعقله بشتى الطرق، ينبع من أهمية معرفة التاريخ وتلك العلاقات الشائكة بين الجيران والأشقاء وهي لا تقل أهمية عن متابعة مآل الأحداث في العراق بعد تغيير نظامه البعثي الشمولي الغارق في الدماء وكذلك المنطقة عموماً والذي أثبت فيه الإمپريالون الأقدمون والجدد بأن همهم ليس تحرير الشعوب ونشر الديمقراطية والتعاون بين الأمم كما يزعمون بقدر ما هو العمل الدؤوب لزج المنطقة في صراعات إقليمية وداخلية لا نهاية لها كي تنضج وتقسم وتقع فريسة سهلة لأطماعهم وتثبيت سيطرتهم المطلقة وتسيد إسرائيل كجزء أساسي في المنظومة الإمپريالية. بعد تسليم المحتل الأميركي السلطة لقوى رجعية، هامشية، طائفية لحكم العراق كان أعظم إنجازاته هو الفساد الذي مارسته هذه السلطة والذي وضع العراق في ذيل قائمة الأمم في كل أسباب الحياة. ليس الغرض من نشر هذه الورقة هو لإثارة الأحقاد والكراهية بين الأشقاء والجيران نتيجة لتاريخ تم تصنيعه في أروقة عواصم المتروپولات بقدر ما هو تعريف بأن العامل الحاسم في تواجد الإمپريالية بكل ثقلها في المنطقة هو من أجل السيطرة على ثرواتها وإستخدامها كحليف يمول عدوانها من خلال دق أسافين الحقد والكراهية بين شعوبها ومن أجل تسيد الكيان الصهيوني على مقدراتها ومستقبلها.
آلية الهيمنة الغربية
يُعتبر السؤال عن سبب غزو صدام حسين للكويت عام 1990 سؤالاً غير مستساغ في الولايات المتحدة الأميركية وإن أٌثير فقد يبدو وكأنه سؤال ينم عن تأييد لدكتاتور قمعي دموي، لذا فلا أحد يأبه له وعادة ما يكون جواب الساسة الأسهل هو: إن صدام حسين طاغية عدواني ينزع إلى الإستحواذ على المنطقة وإخضاع شعوبها، هو هتلر العصر الحديث. هذا الجواب يكون حاضراً كذلك عند السؤال: لماذا غزا العراق إيران عام 1980؟ إن تقبل هذا الجواب النمطي، ولو جزئياً، قد صار مستسهلاً بسبب ما قام به نظام صدام من قمع وإنتهاكات موثقة لحقوق الإنسان العراقي وخصوصاً ضد الأكراد.
إن مضمون هذا التفسير النمطي على الرغم أنه يتضمن بعض الحقيقة لكنه يتعارض مع الدعايات التي تروج للحرب وأن الحاجة باتت ملحة كي يفهم الشعب الأميركي الحقيقة قبل السماح لحكومته بشن الحرب على العراق فتاريخ العراق والكويت وبريطانيا والولايات المتحدة يفضح أسباب إحتلال العراق لإيران والكويت وهي أسباب أكثر تعقيداً مما يسوق له الإعلام الأميركي وذات أهمية أبعد مما يقدمه ذلك الجواب النمطي، فعلى مدى عقود وخصوصاً في السنوات الأخيرة فأن بريطانيا والولايات المتحدة قد إفتعلتا التوتر في المنطقة بوعي تام وقادتا ببراعة سلسلة من الأحداث كي تؤدي إلى إحتلالات العراق لجيرانه. كان الغرض من هذا التلاعب هو لزيادة القوة والسيطرة على حكومات الشرق الأوسط ومنابع النفط من قبل نخبة المصالح الأميركية والبريطانية.
العرض التاريخي القصير هذا ليس شاملاً ومراجعه عمومية وأن الغرض الأساسي منه هو تقديم بضعة نقاط أساسية للحديث عن السياق التاريخي لناشطي طلبة السلم ولغير الملمين بتاريخ الشرق الأوسط ولمؤازرة جهودهم لغلق طريق الحرب. هذا العرض تم ترتيبه حسب السياق التأريخي إلى أقسام والجزء الأكبر لبدايات هذا البحث يعتمد أساساً على مصدر واحد وهو: العراق والكويت: التاريخ المكبوت أو المخفي للكاتب. شونمان. هناك العديد من المواقع التي تبحث في هذا الموضوع لمن يريد الإستزادة بدل هذه العرض المختصر.
Iraq and Kuwait: A History Suppressed, by Ralph Schoenman
تاريخ مبكر
قامت الحضارات القديمة لسومر وبابل على أرض بلاد ما بين النهرين (ميزوپوتاميا)، كما يطلق عليها الإغريق، بالقرب من نهري دجلة والفرات والتي هي عراق اليوم أما التاريخ الحديث للكويت فهو يبتدأ في القرن التاسع عشر كقرية صغيرة في الخليج الفارسي وأن معنى مفردة “كويت” هو مستوطنة بشرية صغيرة سميت من قبل حاكم عراقي في تلك الحقبة وعلى مدى القرن التاسع عشر ولغاية الحرب العالمية الأولى كانت الكويت قضاءاً من ضمن أقضية ولاية البصرة والتي كانت جزءاً من العراق تحت حكم الإمبراطورية العثمانية
الهيمنة البريطانية
بعد إنتصار بريطانيا وفرنسا في الحرب العالمية الأولى تم تفكيك الإمبراطورية العثمانية ومعها الشعب العربي من أجل أهدافهما الإستعمارية الخاصة وتم تأسيس شركة نفط العراق عام ١٩٢٠ وكانت نسبة أسهم بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة فيها (٩٥٪) ومن أجل إضعاف النزعة القومية العربية فقد أغلقت بريطانيا بوجه العراق المدخل إلى الخليج وذلك من خلال تمزيق الهوية الإقليمية فتم نزع الكويت عن بقية العراق في عامي ١٩٢١ و١٩٢٢. الكويت، لقد تم رسم حدود مصطنعة لهذه المستعمرة البريطانية دون أي أساس جغرافي أو تاريخي. لقد حَكَم الملك فيصل الأول تحت إشراف الحكم العسكري البريطاني ورغم ذلك فأنه لم يقبل أبداً بإقتطاع الكويت وكذلك رفض جهود بريطانيا في منع العراق من الدخول إلى الخليج وقد إعترضت بريطانيا على مشاريع فيصل لبناء خط سكك حديد الكويت وكذلك إنشاء ميناء على الخليج. إن هذه السياسات البريطانية الإستعمارية وما شابهها جعلت من الكويت مركزاً لإهتمامات الحركة القومية العربية في العراق وأُعتبرت دلالة على إذلال العراق من قبل البريطانيين.
إستمرت المقاومة للإقتطاع المفروض للكويت من العراق أثناء أعوام الثلاثينيات ففي عام ١٩٣٢ أجبر الوكيل البريطاني في العراق القيادة العراقية على الدخول في “مراسلات” بخصوص تحديد حدود الكويت البريطانية ولكن مجلس النواب العراقي قد أبطل هذه “المراسلات” حينها تحدت حركة جماهيرية من الشباب الكويتيين تسمى “حركة الأحرار الكويتيين” الحكم البريطاني وبعثت بعريضة تطالب فيها بتوحيد الكويت مع العراق وقد وافق شيخ الكويت على تأسيس مجلس تشريعي لتمثيل “الكويتيين الأحرار” خوفاً من قيام إنتفاضة وفي الجلسة الأولى للمجلس عام ١٩٣٨ صوت بالإجماع على قرار يطالب الكويت بالعودة إلى العراق. بعد ذلك بعام أعلم وزير خارجية العراق السفير البريطاني في بغداد بأن:
“لقد إعترفت الإتفاقية العثمانية البريطانية لعام ١٩١٣ بالكويت مقاطعة تحت سلطة ولاية البصرة وبما أن سيادة البصرة قد إنتقلت من الدولة العثمانية إلى دولة العراق فأن هذه السيا يجب أن تشمل الكويت بموجب بنود إتفاقية عام ١٩١٣ وأن العراق لم يعترف بأي تغييرات في وضع الكويت.”
بتأريخ ١٠ آذار (مارس) ١٩٣٩ إندلعت إنتفاضة شعبية في الكويت مطالبة بتوحيدها مع العراق فقام شيخ الكويت وبدعم من القوات البريطانية و “مستشاريه”، بسحق الإنتفاضة وقد قتل وسجن المشاركون فيها. طالب الملك غازي ملك العراق علناً بإطلاق سراح السجناء وقد أنذر شيخ الكويت بإنهاء القمع الذي يمارسه ضد حركة الكويتيين الأحرار لكن غازي لم يعر إهتماماً لإنذار البريطانيين له للتوقف عن هذه التصريحات العلنية وفي ٥ نيسان (أبريل) ١٩٣٩ وجد ميتاً (قتل الملك غازي بحادث سيارة يعتقد أنه كان مدبراً من قبل البريطانيين وعملائهم- المعرب) كان فيصل الثاني ما زال رضيعاً حينها وأصبح نوري السعيد، الضابط السابق في الجيش العثماني، الموالي للبريطانيين هو القائد الفعلي للعراق
الهيمنة الأميركية
بعد الحرب العالمية الثانية أستبدل الدور البريطاني بصورة تدريجية بالهيمنة الإستعمارية الأميركية الجديدة على الشرق الأوسط وقد أصبحت دولة إسرائيل الجديدة أداة هامة لسيطرة الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط بعد حقبة الحرب ومع الإنقلاب المدعوم أميركياً وإسرائيلياً الذي أطاح بالرئيس الإيراني مصدق الذي إنتخبه الشعب عام ١٩٥٣وتنصيب الشاه محله، فأن الولايات المتحدة قد أصبحت القوة الإمپريالية المهيمنة في المنطقة.
الولايات المتحدة وبريطانيا أسستا حلف بغداد عام ١٩٥٥ وهو عبارة عن إتفاقية أمنية لشعوب الشرق الأوسط وبضمنهم العراق هدفها معاداة السوڤييت. لقد أُعتبر حلف بغداد من قبل شعوب العالم العربي كتحالف للأنظمة التابعة للبريطانيين والأميركيين وقد جوبه برفض وعصيان شعبي عراقي واجهه نوري السعيد بإعتقال قادة المعارضة الذين طالبوا بالإنسحاب من الحلف إلا أنه كان في الخفاء قد بدأ بالتفاوض مع الولايات المتحدة وبريطانيا من أجل إعادة الكويت إلى العراق إسترضاءاً للشعور الوطني العراقي.
دامت مطالبات إعادة الكويت إلى العراق لعامين ففي كانون ثاني (يناير) ١٩٥٨ قام نوري السعيد رئيس وزراء العراق بطرح الموضوع في إجتماع حلف بغداد معلناً الإستعجال بإعادة الكويت إلى العراق وقد وافق جميع أعضاء الحلف على المقترح ما عدا بريطانيا التي رفضت بدورها التلويحات الدبلوماسية العراقية ولكن في النهاية أعلم العراق بريطانيا بأنه يحضر وثائقاً ونسخاً من التفاهمات السرية مع مذكرة رسمية لإعلانها على العالم في تموز (يوليو) ١٩٥٨. كان رد السفير البريطاني على الحكومة العراقية بأن بريطانيا العظمى قد “وافقت مبدئياً” على توحيد الكويت والعراق، لكنه طلب عقد إجتماعٍ يتم في لندن بين رئيسي حكومتي العراق وبريطانيا مع مسؤولين آخرين من البلدين إلا أن الإجتماع لم يعقد مطلقاً بسبب سقوط الملكية في العراق في ١٤ تموز (يوليو) ١٩٥٨ بثورة قادها الزعيم عبد الكريم قاسم وقد قتل الملك ونوري السعيد ونتيجة لذلك فقد أبطلت بريطانيا من جانبها إتفاقية إعادة الكويت إلى العراق.
إنتفض الفقراء والمسحوقون في بغداد على أنباء الإنقلاب وقد هاجموا السفارة البريطانية وبعض الأهداف إلا أن الولايات المتحدة لم ترد في البداية على الإنقلاب ولكن الهيجان السياسي الذي تبع ذلك الإنتفاض الشعبي قد دفع بالنظام الجديد إلى اليسار أكثر مما كانت عليه النية أصلاً. لقد رفعت الحكومة الجديدة القيود عن الحزب الشيوعي العراقي وقامت بخطوات معتدلة نحو الديمقراطية وفي المقابل جندت الولايات المتحدة المخابرات المركزية لمواجهة ذلك. قام مدير السي آي أيه ألان دلاس بتعيين مهمة تعويق الزعيم قاسم جسدياً إلى قسم أعطي عنواناً ملطفاً وهو “قسم الخدمات الفنية” وكان رئيسه عام ١٩٦٠ هو سدني گوتليب (هناك كتاب بعنوان “رئيس أركان التسميم: سيدني گوتليب وبحث وكالة المخابرات المركزية الأمريكية للسيطرة على العقل” يسرد فيه كاتبه ستيفن كزنر المحاولات التي قامت بها الوكالة لإغتيال الزعماء منهم قاسم وكاسترو- المعرب” وقد وضع برنامجاً لإغتيال قاسم كما كانت هناك محاولة فاشلة في نفس هذا السياق إشترك فيها صدام حسين
إستمر قاسم بالإبتعاد عن الولايات المتحدة وبريطانيا وفي المقابل فاقمت بريطانيا العلاقات سوءاً حين أعلنت بأن مستعمرتها الكويت ستكون حرة ومستقلة في سنة ١٩٦١ عندها عقد قاسم مؤتمراً صحفياً في ١٩ حزيران (يونيو) ١٩٦١ أعلن فيه بأن “العراق يعتبر الكويت جزءاً مكملاً لأراضيه”. حشدت بريطانيا بسرعة بعد ذلك المؤتمر الصحفي قواتها في الكويت مع دعم بحري في الخليج (لقد تضامن نظام عبد الناصر مع بريطانيا والغرب وأرسل قواته للوقوف ضد محاولة إستعادة العراق للكويت – المعرب). ربحت الكويت الدخول إلى الأمم المتحدة عام ١٩٦٣ بعد مقتل قاسم وإسقاط حكومته بإنقلاب حزب البعث المدعوم من قبل المخابرات المركزية الأميركية
صعود صدام إلى السلطة
في عام ١٩٦٥ أصبح أحد أقرباء صدام أميناً عاماً لحزب البعث وفي عام ١٩٦٨ (يبدو أن المقصود هنا هو أحمد حسن البكر حين تم إنتخابه أميناً عاماً القيادة القطرية لحزب البعث العربي الإشتراكي في العراق – المعرب) تم حينها كذلك تعيين صدام نائباً للأمين العام وتمكن صدام وأعوانه من البعثيين من الإستيلاء على السلطة بمساعدة المخابرات المركزية الأميركية وتبع ذلك ذبح اليسار وقتل وتعذيب أعضاء الحزب الشيوعي العراقي وأعضاء النقابات.
خلال السبعينيات من القرن العشرين تقدم العراق بعروضٍ تسوية مع حكام الكويت كي تمكن العراق من الحصول على مدخل إلى جزره السابقة في الخليج ولكن لم تصل تلك المحاولات إلى نتيجة وأن الحدود العائمة التي تفصل البلدين قد تمددت شمالا.
في أواسط تموز (يوليو) ١٩٧٩حل صدام محل البكر كرئيس للجمهورية وأعلن حينها عن إكتشاف مؤامرة ضد سلطته مما نتج عنها إعدام (٢١) فرداً من قيادات حزب البعث والدولة وقد تبع ذلك تطهير القوات المسلحة وحزب البعث تلاها إعتقالات واسعة. بعد وقت قصير وفي آب ١٩٧٩ أعلن النظام عفواً عاماً تم بموجبه إطلاق سراح السجناء الكرد وأعضاء الحزب الشيوعي وآخرين ولكن منظمة العفو الدولية قد أعلنت حينها بأن إنتهاكات حقوق الإنسان لم تتوقف.
إقترح زبجنيو بريجنسكي، مستشار الرئيس الأميركي جيمي كارتر للأمن القومي، في نفس السنة على صدام بأن يغزو إيران ويلحق إقليم خوزستان (عربستان) بالعراق وعندها سيحصل العراق على مدخل إلى الخليج من خلال الممر الضيق لشط العرب. كانت الولايات المتحدة تأمل من ذلك بأن تستخدم العراق كأداة لمواجهة تطرف نظام الخميني في إيران خوفاً من إنتشاره في أوساط الشعوب المضطهدة في إمارات الخليج والسعودية وقد ضمن لصدام الدعم المالي من الكويت والسعودية وبقية الدول.
قتل أكثر من نصف مليون من العراقيين والإيرانيين في الحرب ولم يعلم صدام فأن الولايات المتحدة وإسرائيل كانتا تسلح إيران سراً من أجل إضعاف العراق وإيران معاً وقد زار دونالد رامسفلد المبعوث الخاص للرئيس ريغان صدام حسين مرتين كانتا في أواخر كانون أول (ديسمبر) ١٩٨٣ وفي آذار (مارس) ١٩٨٤ وقد مهدت هذه الزيارات الطريق لتطبيع العلاقات الأميركية العراقية في الوقت الذي كان فيه صدام حسين يستعمل الأسلحة الكيمياوية في حربه ضد إيران. لقد تم رفع إسم العراق من قائمة وزارة الخارجية الأميركية للدول الراعية للإرهاب في عام ١٩٨٢ وقد إندفع العراق لشراء الأسلحة من الشركات الأميركية والألمانية وقد إستخدمت تلك الأسلحة كذلك عام ١٩٨٨ لمهاجمة الكرد.
مقدمات حرب الخليج ١٩٩١
تركت الحرب مع إيران العراق محطماً فقبل أن يشن صدام حرب الثمان سنوات ضد إيران كان إحتياطي العراق من العملات الصعبة يقدر بـ ٤٠ مليار دولار وفي نهايتها خرج مديناً بـ ٨٠ مليار دولار. ضغطت الكويت والسعودية على العراق لتسديد ٨٠ مليار دولار مع الفوائد. زحفت الكويت لتستولي على ٩٠٠ ميل مربع من الأراضي العراقية أثناء إنشغال وإرتباك العراق في الحرب مع إيران وذلك عن طريق دفع حدودها نحو الشمال. كان ذلك أمراً واقعاً بالنسبة للعراق مما أعطى الكويت مدخلاً إلى حقل الرميلة النفطي وفي حينها فقد تملك شيخ الكويت شركة من كاليفورنيا إسمها “مؤسسة سانتا فيه للحفر في الحمراء-كاليفورنيا” متخصصة في تقنية الحفر المائل بـ ٢.٣ مليار دولار لإستخدامها للوصول إلى حقل النفط العراقي.
Santa Fe Drilling Corporation of Alhambra, California
يمثل النفط المورد الرئيسي للدخل في العراق وبأسعاره المتأرجحة حسب مستويات الإنتاج العالمي، وبنفوذ أميركي، بدأت الكويت عام ١٩٩٠ بزيادة إنتاجها النفطي غير ملتزمة بحصص الأوپك مما أدى إلى هبوط سعر النفط العراقي من (٢٨) دولاراً للبرميل إلى (١١) دولاراً مما أدى إلى تخريب الإقتصاد العراقي أكثر فأكثر. لاقت مناشدات العراق وإيران وليبيا وبلدان أخرى للكويت والإمارات والسعودية ومصر الإلتزام بمستويات إنتاج أوپك زيادة في تحركات الأساطيل الأميركية في الخليج حينها قال صدام في شهر شباط (فبراير) ١٩٩٠ في قمة عمان بخصوص العلاقة بين إنتاج النفط وزيادة تواجد الأسطول الأميركي وحذر من أن شعوب الخليج وبقية العرب تابعون للمصالح الأميركية.
حمل الإعلام الغربي بعد كلمة صدام تلك قصصاً عن صواريخه وأسلحته الكيمياوية والنووية المحتملة وقد توقعت الصحافة الإسرائيلية من جانبها أن تقوم إسرائيل بضربات إستباقية كما فعلت سابقاً مع المفاعل النووي عام ١٩٨١. زادت الكويت والإمارات من إنتاجهما على الرغم من المناشدات الدبلوماسية العراقية بأن ذلك يؤذي مصلحيتهما الاقتصادية وان ذلك سيكون أكثر ضرراً وإيذاءاً للعراق. رفضت الكويت إعادة الأراضي العراقية التي إستولت عليها أثناء الحرب العراقية الإيرانية، والتي ساعدت هي في تمويل تلك الحرب، كما رفضت أيضاً حصص الإنتاج والمناشدات لوقف تدفق النفط من حقل الرميلة العراقي كما رفضت التنازل عن أية ديون لها على العراق.
في ١٨ تموز (يوليو) ١٩٩٠ نشرت وزارة الخارجية العراقية النص الحرفي لإجتماع صدام حسين مع مسؤول أميركي رفيع المستوى. لقد أقر جيمس مكارتني الصحفي في صحيفة نايت ريدر الإلكترونية بأن وزارة الخارجية الأميركية لم تجادل فيما نشر. السفيرة الأميركية أپريل گلاسپي أبلغت صدام بـ “ليس لنا رأياً في… النزاعات كخلافكم الحدودي مع الكويت“. لقد كررت السفيرة گلاسپي هذا الموقف لعدة مرات وأضافت “وزير الخارجية جيمس بيكر قد أوعز للناطق الرسمي للتأكيد على هذه التعليمات.” قبل أسبوع واحد من الغزو العراقي للكويت فأن الناطقة بلسان جيمس بيكر مارگريت توتويلر ومساعد وزير الخارجية جون كيلي قد صرحا بأن “الولايات المتحدة ليست ملتزمة للقدوم لمساعدة الكويت فيما إذا هوجمت.” (سانتا باربرا نيوز- پريس ٢٤ تموز ١٩٩٠).
قبل يومين فقط من الغزو العراقي للكويت شهد جون كيلي (جون كيلي هذا هو نفسه الذي عينه ترامپ رئيساً لأركان البيت الأبيض ثم أبعده بعد ذلك – المعرب) مساعد وزير الخارجية أمام اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية في الكونغرس بأن ليس للولايات المتحدة معاهدة دفاع مع أي بلد خليجي. كتبت صحيفة نيويورك ديلي نيوز في ٢٩ تموز ١٩٩٠ “ليس من العجب بأن صدام قد إستنتج بأن في إستطاعته إجتياح الكويت. بوش وشركاؤه لم يتركوا له سبباً للإعتقاد غير ذلك.”
حرب الخليج ١٩٩١
في يوم ٢ آب (أغسطس) ١٩٩٠ غزت القوات العراقية الكويت وسيطرت عليها بسرعة والولايات المتحدة ومعها الأمم المتحدة طلبتا سحب القوات العراقية فوراً وقد رُفضت حينها محاولات العراق للتفاوض على الإنسحاب وأن القوات الأميركية المتمركزة في المنطقة كانت قد تدربت مسبقاً على خطة معركة صد الغزو العراقي.
في السادس عشر من كانون الثاني (يناير) ١٩٩١ شنت الولايات المتحدة وحلفاؤها هجوماً مدمراً على العراق وعلى قواته المسلحة في الكويت. كان الهدف من قصف التحالف هو تدمير البنية الإرتكازية للعراق لأجل إعاقة إستخدام إمكاناته في الحرب وتثبيط معنوياته المدنية والعسكرية. قادت الولايات المتحدة التحالف مع ٣٤ دولة قدمت قواتاً ودعماً مالياً للمجهود الحربي ومن بين تلك الدول كانت أفغانستان والأرجنتين وأستراليا والبحرين وبنغلاديش وبريطانيا وكندا چيكوسلوفاكيا والدنمارك ومصر وفرنسا وألمانيا واليونان والمجر وهندوراس وإيطاليا والكويت والمغرب وهولندا والنيجر وعمان والپاكستان وپولندا والپرتغال وقطر والسعودية والسنغال وكوريا الجنوبية وسوريا وتركيا والإمارات.
صورت الولايات المتحدة الآلة العسكرية العراقية على أنها تهديد دولي ماثل وكأنها منافس عسكري للولايات المتحدة ولكن نتيجة الحرب كانت حرباً من جانب واحد إلى أقصى حد فلم يقتل سوى ١٤٨ جندياً أميركيا فقط من مجموع ٥٠٠٫٠٠٠ جندي ومعظمهم قد قتلوا بنيران صديقة وكان مجموع خسائر الحلفاء قليلاً لا يذكر لكن في المقابل فقد بينت الولايات المتحدة في شهر حزيران (يونيو) ١٩٩١ بأن ١٠٠٫٠٠٠ جندياً عراقياً قد قتل وجرح ٣٠٠٫٠٠٠ ولكن بعض مجموعات حقوق الإنسان إدعت أرقاماً أعلى من ذلك بكثير. أعلنت بغداد حينها بأن ٣٥.٠٠٠ مدنياً قد قتلوا إلا أن بعض الباحثين بينوا بأن عدد القتلى أقل من مئة ألف بكثير. بغض النظر عن الأرقام فأن الجيش العراقي قد تغير تماماً وأن الوحدات الناجية قد إنسحبت إلى العراق. إن “عاصفة الصحراء” كما أطلق على تلك الحرب قد دمرت ٨٠٪ من الأسلحة العراقية وما تبعها من الرقابة والتفتيش الدولي فقد نتج عنها محو ٩٠٪ من الأسلحة العراقية التي كان يمتلكها قبل الغزو.
لقد بين وزير العدل الأميركي السابق رامزي كلارك وكذلك مركز العمليات الدولي الآثار المدمرة للقصف الإنجلوأمريكي على السكان المدنيين العراقيين بضمنه إستخدام اليورانيوم المنضب الذي طليت به القنابل الأميركية والتي أدت إلى ظهور أمراض السرطان ومستويات غير مسبوقة من الولادات المشوهة في العراق. لقد ترك أكثر من ٦٠٠٫٠٠٠ رطلاً (٥٠٠ طن) من اليورانيوم المنضب في العراق بعد الحرب.
لقد أدت الحرب كذلك إلى نتائج صحية عكسية على الجنود الأميركيين أنفسهم وقد ذكرت بعض التقارير عن آثار “متلازمة حرب الخليج” بالإضافة إلى أعراض منهكة للصحة نتيجة لتعرضهم إلى مواد كيمياوية وبيولوجية. (هناك ما يربو على ١٠٠ ألف مصاب أميركي عانوا أو ما زالوا يعانون مما يسمى بمتلازمة حرب الخليج وقد نشرت وسائل إعلام قصصاً مرعبة عن معاناة الجنود وعوائلهم نتيجة لذلك منها تشوه في الولادات والعجز البدني والعقلي الكلي والجزئي. لقد أهملت السلطات الأميركية العناية الصحية بهؤلاء كما بينت وسائل الإعلام ذلك – المعرب)
حملة التضليل الأميركية
كان من الصعب توثيق أو حتى تقدير مدى العمليات النفسية ومشاريع الدعاية والتضليل التي بثتها الحكومة الأميركية من أجل كسب الدعم الشعبي للحملة العسكرية ضد العراق. هناك مثالان قد تم توثيقهما وهما معروفان بشكل جلي: الأول التقارير الكاذبة عن تحشيد القوات العراقية لتهديد السعودية والثاني هو القصة المصطنعة والتي إستمع إليها الكونغرس الأميركي حول قتل الجنود العراقيين للأطفال حديثي الولادة في مستشفى الكويت. قدم فلم “الحروب الخفية” وكذلك راديو ناشنال پاسيفيكا تغطية عن هذين الروايتين.
التقارير الملفقة عن الحشود العراقية
إدعت الإدارة الأميركية بأن العراق قد حشد قواته ودباباته على طول الحدود السعودية وهو مستعد لغزوها وقد كرر الإعلام هذه الادعاءات بشكل واسع ولكن المشكلة الحقيقية الوحيدة بخصوص هذه المزاعم بأنها كانت كاذبة بمجملها. لقد أظهر الإتحاد السوڤيتي السابق صوراً فضائية أخذت يومي ١١ و١٣ أيلول (سبتمبر) ١٩٩٠ للحدود والتي تبين بوضوح أن لا وجود لأية حشود عسكرية عراقية ولا أية معدات في الموقع (لقد طلب السوڤييت فعلاً ثمن ١٫٥٠٠ دولار للصورة الواحدة). لقد أهملت مؤسسات إخبارية كبرى تلك الصور ولم تعرضها كـ “أيه بي سي نيوز” (سام دونالدسون) أو الواشنطن پوست (بوب وودورد). صحيفة سانت پيترسبيرج تايمز المحلية التي تصدر في فلوريدا هي المؤسسة الإعلامية الأميركية الوحيدة التي نشرت تلك الصور فعلاً. تبين تلك الصور بوضوح على أي حال الحشود الأميركية على الجانب السعودي من الحدود! لقد وثق جون ماك آرثر وبن هيغ باغدكيان هذه الأكذوبة في كتابهما “الجبهة الثانية؛ الرقابة والدعاية في حرب الخليج،” دار طباعة جامعة كاليفورنيا وأعيد طبعها في عام ١٩٩٣ كذلك قام برايان بيكر بدحض هذا الإدعاء بالتفصيل في تقريره. لقد إستأجر جين هيلر، المحرر في صحيفة سانت بيترسبورج، الوكالة الأميركية للسيطرة على التسلح ونزع السلاح في عهد ريغان وكذلك پيتر زيمرمان وهو أحد المختصين بتحليل الصور الفضائية لوكالة إستخبارات الدفاع فلم يجدا شيئاً وببساطة فلم تكن هناك أية قوات عراقية تقف لغزو السعودية.
حكاية الحاضنات
ربما يتذكر القارئ الشهادة التي أدلت بها شابة كويتية تبلغ من العمر 15 عاما، اسمها نيرة (ظل اسمها الأخير طي الكتمان) أمام الكونجرس في 10 تشرين الأول/أكتوبر 1990. لقد شهدت عن فعل مرعبٍ قام به الغزاة العراقيون للكويت وحسب كلماتها: ” لقد تطوعت في مستشفى العدان وأثناء وجودي هناك فقد رأيت الجنود العراقيين يقتحمون المستشفى ببنادقهم ويدخلون إلى غرفة الحاضنات، لقد إنتزعوا الأطفال من الحاضنات، أخذوا الحاضنات وتركوا الأطفال على الأرض الباردة ليموتوا. كان الإنتقام يغطي أخبار قصة الأطفال الـ (٣١٢) حديثي الولادة. كرر الرئيس بوش (الذي سيكون جورج الأول) هذه القصة وقد رسمت الحدود على الرمال وكقضية راچاك (كوسوڤو) فقد وجهت الرأي العام والكونغرس نحو طريق الحرب.
لقد عرفنا بعد أشهر بأن “نيرة” هي إبنة الأمير الكويتي سعود ناصر الصباح، السفير الكويتي في واشنطن والتي غادرت الكويت قبل الغزو العراقي وأن القصة كلها قد تم تلفيقها من قبل شركة “هل أند نولتن” للعلاقات العامة. ترأس جلسة الإستماع توم لانتوس الديمقراطي من كاليفورنيا وكان رئيساً مشاركاً مع الجمهوري جون پورتر لمؤسسة حقوق الإنسان في الكونغرس وهي المؤسسة التي تحتل مكتباً مجانياً في مكاتب هل أند نولتن في واشنطن العاصمة. يمكن أن نجد ذلك في الكتاب الآسر لجون ستوبر وشيلدون رامپتن١٩٩٥ “الوحل السام مفيد لكم، أكاذيب، أكاذيب لعينة وصناعة العلاقات العامة” وهو واحد من أفضل التوثيقات لهذه الخدعة.
“Toxic Sludge Is Good for You, Lies, Damn Lies and the Public Relations Industry” by John C. Stauber, Sheldon Rampton, 1995; (Common Courage Press; ISBN: 1-56751-060-4).”
في آيار (مايو) ٢٠٠٢ إدعى أحد موظفي شركة هل ونولتن في يومية أودوير للعلاقات العامة والمعنية بدواخل أخبار العلاقات العامة والذي كان يدير موضوع نيرة بأن الحكاية حقيقية إلا أن شيلدون رامپتن قد رد على حكايته تلك بعنف.
بعد أربعة أيام من الغزو العراقي للكويت في آب (أغسطس) ١٩٩٠ مرر مجلس الأمن الدولي القرار رقم (٦٦١) والذي فرض بموجبه عقوبات شاملة على العراق وكذلك تشكيل لجنة لمراقبة تطبيقها.
وافقت الولايات المتحدة على وقف إطلاق النار مع العراق في شباط (فبراير) ١٩٩١ وقد تطلب من العراق بموجب إتفاقية وقف إطلاق النار إزالة جميع أسلحته الكيمياوية والبيولوجية والنووية وكذلك الصواريخ ذات المديات الأبعد من (١٥٠) كم وقد ربط قرار مجلس الأمن الدولي رقم (٦٨٧) الاتفاق برفع العقوبات الأممية بتدمير العراق لترسانته من أسلحة ذات الدمار الشامل. لقد تم فرض حضر للطيران على ثلثي مساحة العراق في الشمال والجنوب من قبل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لمدة إمتدت لعام ونصف بعد إنتهاء الحرب رغم أن الأمم المتحدة لم تصرح لهم بذلك وقد إنسحبت فرنسا من الإشتراك بعد ذلك لأن الحضر الجوي يخالف القانون الدولي فبموجب المادة (٥١) من ميثاق الأمم المتحدة فأن من حق العراق الدفاع عن نفسه ضد الولايات المتحدة وبريطانيا واللتان كانتا تحلقان في الأجواء المحضورة.
دخل برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء والذي أقر من قبل لجنة العقوبات على العراق حيز التنفيذ في عام ١٩٩٦ وبموجبه فأن جميع عقود التجهيز (التجهيزات المستعجلة وكذلك معدات البنية الإرتكازية) والتي يطلبها العراق يجب أن تحصل على موافقة لجنة العقوبات تلك. يستطيع أي عضو دولي في اللجنة أن يوقف أي عقد لمواد من الممكن أن يكون لها إستخدام مزدوج، مدني وعسكري. لقد مارست الولايات المتحدة مراراً وتكراراً هذا الإمتياز لمنع وصول تجهيزات حيوية بالنسبة للسكان المدنيين.
ظهرت مقالة بعنوان “خنق العراق” في مجلة اليسار الجديد في أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٠ وصف فيها الكاتب طارق علي الحال الذي يواجهه المدنيون في العراق:
البلاد التي كانت يوماً فيها أعلى مستوى من التعليم ونظاماً صحياً متقدماً قد تم تدميرها من قبل الغرب. لقد دُمر نسيجها الاجتماعي وقد منع على شعبها الضروريات الأساسية للبقاء وأن تربتها قد لوثت باليورانيوم الذي طليت به القذائف.
وحسب أرقام الأمم المتحدة للسنة الماضية فأن ٦٠٪ من السكان لا يحصلون على ماء نظيف وأن ٨٠٪ من المدارس تحتاج إلى إصلاحات أساسية. منظمة الغذاء الدولية قد أحصت أن ٢٧٪ من العراقيين يعانون من سوء التغذية المزمن وأن ٧٠٪ من النساء يعانين من فقر الدم وبموجب تقرير اليونيسيف فأن في جنوب ووسط العراق واللذان يشكلان ٨٥٪ من السكان كانت وفيات الأطفال الضعف بالمقارنة مع فترة ما قبل الحرب.
إن أعداد الوفيات بسبب خنق الحياة الاقتصادية لا يمكن تقديرها بدقة وقد تكون هذه هي مهمة المؤرخين ولكن بموجب الجهة المعتمدة الأكثر دقة وهو ريتشارد غارفيلد، وبتقدير متحفظ، عن زيادة الوفيات بين الأعمار التي تقل عن خمس سنوات منذ عام ١٩٩١ قد قدرت بـ ٣٠٠ ألف وفاة في الوقت أن تقرير اليونيسيف في عام ١٩٩٧ يقدر بأن ٤٥٠٠ طفلاً ما دون الخمس سنوات يموتون كل شهر (١٣٥٫٠٠٠ سنوياً) وذلك نتيجة للجوع والأوبئة وقد تم حساب عدد الأطفال الصغار الذي قتلوا بسبب الحصار بـ ٥٠٠٫٠٠٠ طفلاً. الوفيات الأخرى من الصعب تحديد أعدادها ولكن وكما أشار غارفيلد فأن معدلات الوفيات لا تمثل إلا قمة جبل الجليد لأن الضرر قد حل بأربعة أخماس العراقيين الذين نجوا بعد السنة الخامسة من أعمارهم. في أواخر عام ١٩٩٨ فقد إستقال المساعد السابق للأمين العام للأمم المتحدة منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية الآيرلندي دينيس هاليداي من وظيفته إحتجاجاً على الحصار معلناً بأن مجموع الوفيات نتيجة لذلك الحصار قد تعدت المليون شخص وعندما تجرأ سلفه هانس ڤون سپونيك بتضمين موجز تقريره عن القتلى المدنيين بسبب القصف الإنجلوأميركي فقد طلب نظاما كلنتون وبلير بإزاحته من منصبه. لقد إستقال هانس في أواخر ١٩٩٩ مبيناً بأن عمله كان من أجل شعب العراق وأن ” إن الخروق في النسيج العراقي آخذة في الإتساع كل شهر”. لقد إستمرت تلك الخروق في التوسع خاصة بعد تطبيق نظام النفط مقابل الغذاء والدواء منذ عام ١٩٩٦ والذي سمح بموجبه بيع نفط بقيمة أربعة مليارات دولار في العام الواحد في الوقت الذي يحتاج فيه العراق إلى سبعة مليارات في أدنى تقدير مع ضغط هائل على الحاجات الأساسية للسكان. بعد عقد كامل فأن خنق العراق من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا قد أدى إلى نتائج لا تضاهى في التاريخ الحديث وحسب تعبير غارفيلد “العراق هو الحالة الوحيدة الذي يحافظ فيها على زيادة كبيرة ومستقرة من الوفيات، تجاوزت المليونين وفي عدد مستقر من السكان، منذ ما يزيد على أكثر من قرنين من الزمن.”
لقد شرح فيلس بينيس في مقابلة له مع مجلة زد بصورة مشابهة ستراتيجية الحصار الأميركي في الآتي:
“… تضمنت الأهداف محطات تصفية المياه وأنظمة المجاري ومحطات توليد الطاقة الكهربائية ومراكز الإتصالات والتي يمكن أن يكون لها إستخدام مزدوج، نظرياً، ولكن الجيش أيضاً يحتاج إلى الماء النظيف وأنظمة مجاري وإتصالات إلخ.. وبالتالي ففي الحقيقة فأن ٢٣ مليون إنسان عراقي والذين حرموا من الماء النظيف قد أعتبر نتيجة مقبولة لذلك. كان هناك جهد مباشر جداً من قبل الولايات المتحدة وكان ذلك الجهد ناجح جداً في تدمير مراكز البنية الإرتكازية للعراق كان من نتيجتها تحطيم مطلق للسكان وبتكلفة إصلاح مستقبلية هائلة ومع إستمرار تقادمها فأن تكلفة إعادة بنائها ستتضاعف. في أثناء عملية ثعلب الصحراء في كانون أول (ديسمبر) فقد أستهدف مصفى نفط واحد في الأقل عمداً بذريعة أن إنتاجه يتم تهريبه وسواء كان ذلك حقيقة أم لا فأن هذا الفعل هو إنتهاك للقانون الدولي في ضرب البنى الاقتصادية وأن كل من ساهم من رجال البنتاغون بهذا الفعل فهو مذنب ومجرم حرب.”
إن عدم قدرة العراق على إصلاح ما دمرته الحرب يعني إستمرار سوء التغذية، نقص في إمداد المياه الصالحة للشرب والأكثر من ذلك أهمية هو ربما العدد الكبير من الضحايا والذي سببته قذارة وتلوث الماء بسبب نقص منشآت التصفية ومعالجة مياه المجاري. ماذا يعني ذلك؟ أطفال يموتون بسبب الأمراض المزمنة كالإسهال والتيفوئيد وغيرهما من الأوبئة التي تسببها المياه الملوثة في بلد كان يمتلك نظاماً صحياً متقدماً قبل الحصار وقبل القصف، بلد كان فيه أطباء الأطفال يشكون من مشكلة السمنة عند الأطفال.
إن إستهداف الولايات المتحدة المتعمد للبنى الإرتكازية المدنية بضمنها محطات تنقية المياه قد أدت إلى موت مئات الألوف من العراقيين، أغلبهم من الأطفال تحت سن الخمس سنوات، ليس محلاً للإختلاف.
لقد بينت الوثائق وبشكل جلي وببرهان عميق حسب تعبير أحد الكتّاب، “بعيداً عن أي شك وبالضد من إتفاقية جينيڤ فأن حكومة الولايات المتحدة قد إستخدمت وبشكل متعمد الحصار ضد الشعب العراقي من أجل إضعاف مصادر المياه بعد حرب الخليج. تدرك الولايات المتحدة الثمن الذي سيكلف الشعب العراقي والأغلب الأطفال نتيجة لذلك. (ذَ پروگريسڤ {التقدم} آب ٢٠٠١).
كان المسؤولون الكبار في الحكومة الأميركية مسرورين وبشكل فاضح بأنباء موت الأطفال العراقيين نتيجة للقصف الأميركي والحصار اللاحق. النص التالي مستل من مقابلة مع مادلين أولبرايت مع ليزلي ستال في برنامج ٦٠ دقيقة بتأريخ ١٢ أيار (مايو) ١٩٩٦:
ليزلي ستال يسأل عن الحصار الأميركي على العراق:
” لقد سمعنا بأن نصف مليون طفلاً عراقياً قد ماتوا، أعني بأنه عدد يفوق عدد الأطفال الذين ماتوا في هيروشيما. كما تعلمون، هل أن ذلك يستحق هذا الثمن؟
وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت:
“أعتقد أن ذلك كان خياراً صعباً جداً إلا أن الثمن كان مستحقاً، كما نعتقد.”
إن الدرس الذي لا يمكن التهرب منه بأن وزيرة خارجية الولايات المتحدة من جهة وبعضاً من المجموعات في الحكومة الأميركية قد أدينوا كإرهابيين ومن جهة أخرى يتشاركون الإعتقاد بأن موت الأبرياء وحتى الأطفال هو ثمن مقبول يدفع من أجل هدف سياسي. المراسلون والكتاب لوسائل الإعلام الرئيسية لا يمكن تصورهم فقد تدربوا بشكل جيد بأن لا يبدوا ملاحظات بسيطة كهذه كتمرين في الوطنية.
أُمر مفتشو الأسلحة التابعون للأمم المتحدة لترك العراق عام ١٩٩٨ ليس من قبل الحكومة العراقية بل من قبل الولايات المتحدة وحسب كلمات سكوت ريتر، رئيس مفتشي الأسلحة التابع للأمم المتحدة في العراق:
“أمرت الولايات المتحدة المفتشين الدوليين للخروج من العراق خلال ٤٨ ساعة قبل أن تبدأ عمليات ثعلب الصحراء والتي إعتمدت على المعلومات التي جمعها المفتشون لإستهداف العراق والتي لم تحصل على موافقة مجلس الأمن الدولي.”
http://www.cnn.com/2002/WORLD/meast/07/17/saddam.ritter.cnna/
أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة
ظهر مقال في الصفحة الأولى لقسم التجارة والأعمال لصحيفة لوس أنجلوس تايمز بتأريخ ٢٧ تشرين أول ٢٠٠٢ (أكتوبر) قدم برنامجاً لإدارة بوش في الشرق الأوسط. كان عنوان المقال “تغيير النظام في العراق سيضعف أوپك” وقد إحتوى المقال عنواناً فرعياً هو: “إعادة بناء الطاقة الإنتاجية للبلد من الممكن أن تكون كافية لكسر القبضة الإحتكارية على الأسواق العالمية” وقدم المقال التفسير التالي:.
بعض محللي الصناعة النفطية يقولون بأن إعادة الإمكانات الإنتاجية للعراق على مدى العقد القادم سيكون كافياً لكسر قبضة الأوپك على أسواق النفط العالمية حتى وإن ظل العراق عضواً إسميا ً فيها فقط.
“من الصعب رؤية العراق تحت أي ظرف مساهماً فعلياً وقريباً من أوپك في السنوات الخمس القادمة” هذا ما قاله المحلل رعد الخضيري من شركة المالية النفطية في واشنطن. يضيف الخضيري “إن كانت هناك في العراق حكومة مرتبطة بشكل وثيق ومعتمدة على الولايات المتحدة في وجودها فمن الممكن أنها ستشعر بالضغط لترك الأوپك”.
أثناء زيارته لپولندا نوه غرانت ألدوناس وكيل وزارة الخارجية الأميركية إلى العائد الاقتصادي المحتمل المتأتي من التغيير قائلاً في وارشو: بأن تغيير النظام قد يفتح صنبور النفط العراقي وسيكون تأثير ذلك عميقاً على أداء الإقتصاد العالمي.”
قدمت الواشنطن پوست تحليلاً مشابهاً في مقالتها في ١٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٢ بعنوان: “حبكة الحرب العراقية، النفط هو الموضوع الأساسي”. أفتتح المقال بفقرة شارحة الحبكة وهي أن إزاحة الرئيس العراقي صدام حسين من الممكن لها أن تفتح مناجم الثراء لشركات النفط الأميركية والتي أبعدت عنها منذ زمن بعيد محبطة بذلك في نفس الوقت صفقات النفط بين بغداد وكل من روسيا وفرنسا والبلدان الأخرى وستسبب تحولاً في أسواق النفط، هذا ما يتوقعه كبار رجالات الصناعة النفطية وقادة المعارضة العراقية.
تضمنت المقالة كذلك بعض الأفكار حول الآلية المستخدمة من قبل إدارة بوش لأجل حشد التأييد الدولي لغزو العراق:
إن أهمية النفط العراقي ربما قد جعلت منه واحداً من أكبر المساومات التي تستخدمها الإدارة الأميركية في توزيع حصصه في سبيل الفوز بدعم مجلس الأمن الدولي والحلفاء الغربيين إستجابة لنداء الرئيس بوش من أجل إتخاذ فعل حاسم ضد صدام حسين. إن جميع أعضاء مجلس الأمن الدولي دائمي العضوية– الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين — يمتلكون شركات نفطية دولية وستكون لهم حصص كبيرة في حال تغيير النظام في بغداد.
“إنها مسألة بسيطة جداً”، هذا ما قاله مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية جيمس ووسلي والذي كان في مقدمة المدافعين عن إزاحة صدام عن السلطة وأضاف “لفرنسا ولروسيا شركات نفطية ومصالح في العراق ويجب أن يعلما بأنهما في حال تقديمهما المساعدة في سبيل إقامة حكومة محترمة فمن جانبنا سنعمل قدر إستطاعتنا التأكد بأن الحكومة الجديدة والشركات الأميركية ستعمل معهما سوية.” إلا أنه أضاف “إما إذا وضعا ثقلهما بجانب صدام فسيكون من الصعب بل من المستحيل إقناع الحكومة العراقية الجديدة للعمل معهما.”
إستنتاجات
لا يستحق صدام حسين العون من قبل المجتمعات التقدمية ولكن صداماً ليس العراق. الشعب العراقي هو من سيقدم الضحايا حينما تهاجمه الولايات المتحدة وإن الشعب العراقي يستحق الوقوف معه.
إن الادعاء بأن العراق يمثل خطراً ماثلاً لبقية العالم وللولايات المتحدة تحديداً فهو سخف كبير حتى أن ذلك لا يستحق حتى الرد ما عدا دعاية حكومة الولايات المتحدة والتي نجحت في تلفيق ذلك التهديد. كان جزء من نجاح نشر الأكاذيب هو الادعاء الخاوي بأن صدام له علاقة بالقاعدة رغم أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لم تجد أية مصداقية لعلاقة بين صدام بإبن لادن و/أو القاعدة إضافة إلى أن تحالفاً كهذا غير قابل للتصديق لأن العراق دولة علمانية بينما القاعدة هي حركة أصولية متعصبة ولا يمكن اللقاء بينهما.
العراق هو أضعف عسكرياً بكثير في عام ٢٠٠٣ عما كان عليه عام ١٩٩٠ عندما هزمت الولايات المتحدة جيوشه في غضون ساعات وأن ٩٠٪ من أسلحته ما قبل حرب الخليج قد تم تدميرها وأنه قد أصبح عرضة للعدوان الخارجي وهو لا يمثل أي تهديد حقيقي للولايات المتحدة أو للبلدان الأخرى. إن إتهام الولايات المتحدة للعراق بأنه يمتلك أسلحة دمار شامل (إن كانت موجودة فعلاً أم لا) هو ذريعة لجدول عمل إدارة بوش الحقيقي: السيطرة على منابع النفط في الشرق الأوسط.
إن نفاق السياسة الأميركية تُجاه العراق ممكن مقارنته بالموقف من بلدان أخرى فمثلاً إسرائيل تمتلك أسلحة نووية وبيولوجية وكيمياوية وتنتهك قرارات الأمم المتحدة على الدوام وهددت وهاجمت جيرانها وهي متهمة بإنتهاكات واسعة لحقوق الإنسان ولكن للآن فأن واشنطن صامتة عن موضوع تفتيش أسلحتها ونادراً جداً ما تتحدث عن إحتلالها لأراضي الغير فالولايات المتحدة تسلح إسرائيل وتقدم لها مساعدات إقتصادية وسياسية هائلة.
إن نفاق واشنطن قد وصل قمته حين يركز على الأسلحة العراقية ذات الدمار الشامل بينما الولايات المتحدة هي نفسها تتزعم العالم بإمتلاكها وإنتاجها لتلك لأسلحة فلدى الولايات المتحدة كل ما يخطر على البال من أنواع الأسلحة منها الترسانة النووية الكافية لإبادة الجنس البشري من على هذا الكوكب. إن كان الهم الحقيقي لواشنطن هو أسلحة الدمار الشامل فأن التفتيش أحرى أن يبدأ بها.